سوداني نت
لم تَستثنِ القرارات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي والتي تتعلّق بمُحاربة الفساد ومُحاسبة المُفسدين عقب عزل الرئيس السابق عمر البشير في الحادي عشر من أبريل المُنصرم، أحداً ينتمي للنظام السَّابق فكانت خطوات سريعة وحاسمة أثلجت صُدُور كثيرٍ من الناقمين على نظام الإنقاذ وفساده، وبالرغم من البَت في كثيرٍ من المَلّفات ذات التعقيدات والمشاكل المُرتبطة بالفساد من قبل النائب العام، وفقاً للتوجيهات والقرارات في مُواجهة الرئيس السابق ورموزه، ما يفتح الباب واسعاً أمام تساؤُلات حول تلك الخطوات، هل الإجراءات التي اُتّخذت بشأن مُحاربة الفساد كافية؟ وهل هنالك ضغوط من قِبل تجمُّع المهنيين للنيابة لوضع مزيدٍ من الإجراءات والقرارات تتعلّق بالفساد؟ وهل الخطوات جاءت مُلبيةً للمطالب في محاسبة المفسدين..؟
رُؤى مُغايرة
وجهات نظر، ورُؤى مُغايرة لمتابعي الشأن العام، تباينت حول الخطوات التي اتّخذها المجلس العسكري الانتقالي، والنائب العام المكلف ضد الفساد ومحاسبة المفسدين، وما تشهده الساحة السياسية في الإجراءات والقرارات تجاه ذلك، في المُقابل اُتّخذت خطوات وصفها البعض بأنها جادة تتعلّق بمُراجعة الأموال بواسطة بنك السودان المركزي، بجانب التّوجيه والإبلاغ عن أيِّ حركة مشبوهة للأموال عن طريق المقاصة أو التحويلات، وقرار المُسَجّل التجاري بإيقاف نقل ملكية أيِّ أسهم إلى حين إشعار لآخر، لم يكتفِ المجلس العسكري الانتقالي بتلك الخطوات، بل مضى أبعد من ذلك بإلزامه الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات والكيانات الحكومية وجميع الجهات، التي تمتلك حكومة السودان فيها حصة، بأن تتقدم بالبيانات اللازمة بشأن الحسابات المصرفية والإيداعات والأوراق المالية والمبالغ النقدية أو أي معادن نفيسة أو مجوهرات داخل السودان وخارجه.
خطوات إيجابية
لا شَكّ في انّ الخطوات التي اتّخذها المجلس العسكري في هذا الإطار إيجابية، فقد شَنّ المجلس هُجُوماً عَنيفاً على الفساد ومُحاربة المُفسدين طيلة حكم نظام الإنقاذ لثلاثين عاماً مَضَت على السودان، غير أن تلك الخطوات يراها البعض بأنّها غير كافية ومُرضية ومُلبية لمطالب الثوار.
وقال المحلل السياسي د. بدر الدين رحمة في حديثه لـ(الصيحة)، إنّ مُحاربة الفساد من المَطالب الأساسيّة بالنسبة للثُّوّار وكل الشعب السوداني، وبالتالي إنشاء مُفوضيّة لمُحاربة الفَساد هو الأجدى والأفضل، وأضَافَ: “الجدية في مُحاربة الفساد أمرٌ مهمٌ جداً” لأنّ مُحاربته تعني استمرار الدولة في بسط سيادة حكم القانون وهذا من أجله قامت الثورة، كما أنّ الخطوات الإيجابية، كان على المجلس العسكري توجيه تُهم للمُفسدين، لكن حتى الآن الجميع في حيرةٍ من أمره، بجانب التساؤلات التي تدور، وعلى شاكلة هل تمّ القبض على جميع رُمُوز النظام السابق، في المقُابل تَناولت السوشيال ميديا، أنّ عدداً من الشخصيات التي تتبع للنظام السابق لم يتم القبض عليها حتى الآن، كما أنّ المجلس العسكري لم يُحدِّد للجماهير أو لأيِّ جهة منوط بها المحاسبة أن تلقي القبض على بعض رموز النظام السابق، الذي يمتلئ الفضاء بفسادهم.
مُهمّة كبيرة
مهامٌ كبيرةٌ تقع على عاتق المجلس العسكري، أولها محاربة الفساد وتقديم كل من يثبت تورُّطه للمحاكمة العادلة، واتخاذ إجراءات قانونية في مواجهته، غير أن تماطلاً واضحاً رآه البعض في تأخير وضع السيف على رقاب المُفسدين وتحريك إجراءات قانونية ضدهم.. في المقابل كشف مصدر موثوق لـ(الصيحة) أنّ خطوات جادّة شرعت فيها اللجنة العُليا للإشراف على جرائم الفساد، التي تم تكوينها بقرارٍ أصدره النائب العام المُكلّف الوليد سيد أحمد محمود، حيث تمّ تشكيل لجنة لاسترداد الأموال الموجودة بالخارج، وأكّد المصدر أنّ اللجنة خَاطبت البُنُوك الخارجية لبعض الدول، وبدأت الترتيبات لإجراء كل المُعاملات الخاصّة بذلك، غير أنّ بريمة أشار إلى أنّ المجلس العسكري، مُهمّته كبيرة، وفي حال لم يَستطع حسم كل الملفات الموجودة والتي تتعلق بالفساد والمُخالفات، يجب أن تؤول إلى حكومة ديمقراطية مدنية تقوم بنفسها بالإجراءات، وأضاف: “تعيين المجلس العسكري للنائب العام دليلٌ على مُحاربة الفساد”.
خطوات جادّة
في المُقابل، يُردِّد كثيرون أنّه كان ينبغي أن تكون هنالك خطواتٌ جادةٌ تتعلّق بالتحرِّي مع الفاسدين، بجانب القبض والتحفظ عليهم، وفي ذلك أشار المحلل السياسي رحمة إلى أنّ كثيراً من المُؤسّسات تعمل بنفس النظام السابق، لذلك لم يحدث أيِّ تغيير، كما أنّ كل الشركات والمُؤسّسات تعمل بالآلية السّابقة، وتساءل: لمن تكون المحاسبة في ظل سيطرة الدولة العميقة حتى الآن؟ مشيراً إلى أنّ الثُّوّار يَستعجلون المَجلس العَسكري لتكوين المُفوضيّات بغرض مُحاربة الفَساد، وأن يتم تعيين إدارة جديدة، وأنّ النظام السابق لا يستطيع محاربة الفساد، كما أن البداية يجب أن تكون للجهاز القضائي وتغيير منصب رئيس القضاء، وتعيين قضاة مُؤهّلين لإدارة الدولة، بجانب النيابة العامة، وأن يتم التعامل بحيادية دون انتماء للنظام السابق.
اتّهامات خطيرة
الخطوات التي اتّخذها المجلس العسكري لمحاربة الفساد ومحاسبة المفسدين من وجهة نظر بريمة غير كافية، وأشار إلى تأخير إجراءات مُحاربة الفساد ومُلاحقة كل من يثبت تورُّطه في فساد، كما أنه مضى أكثر من أسبوعين دون أن يتم تقديم أيِّ مُتّهم للعدالة، وأوضح أنّ كل الدول لم تتوانَ في محاربة الفساد، وتقديمهم إلى محاكمة إلا في عهد النظام البائد، واتّهم إدارة المجلس العسكري بأنها ذات الآلية الحاكمة في النظام السابق، التي تسيطر على مقاليد الدولة العميقة، وهي التي ما زالت تُحرِّك دولاب العمل وفقاً للنظام السابق، واعتبر بريمة أيِّ حديث عن محاربة الفساد ما هو إلا محاولة لكسب للوقت.