-1-
سألني قبل سنوات الأخ خالد فضل بصحيفة (أجراس الحرية)، وهو يُعِدُّ وقتذاك (بروفايل)، عن ياسر عرمان.. قلت له إن ياسر عرمان سياسيٌّ توفرت له عوامل وخبرات وتجارب كثيرة، ليصبح قيادياً بمواصفات استثنائية، تُؤهِّله للقيام بأدوار داعمة للوحدة والاستقرار في البلاد، ولكن الرجل ظلَّ دوماً يسير في الاتجاه المعاكس، والسبب ببساطة، أن عرمان شديد التأثر بما يُكتَبُ عنه في أجهزة الإعلام، لذا كان كثيراً ما يستجيب لاستفزازات مُناوئيه من الكُتَّاب الصحافيين، ويبني على تلك الاستفزازات مواقف سياسية شديدة التطرُّف.
ومشكلة عرمان المُزمنة أنه قليل الحساسية تجاه الرأي العام؛ فقد خاض معارك عدَّة وضعته في الأماكن التي يسهل انتياشه منها، وأصبحت الضربات التي يُريد توجيهها لخصومه تفتح القوس على دائرة عداء، تضمُّ شرائح واسعة من المجموعات غير المُسيَّسة .
-2-
كانت هذه المُلاحظات موضع نقاشات مُستفيضة لي مع عرمان كلما التقيته، وقد كان يستمع إليها باهتمام ويردُّ عليها بهدوء.. وكان أحد تعليقاته التي أثارت انتباهي، قوله إن الصحافة السودانية عبر انتقائها لبعض عباراته وتركيزها على بعض مواقفه، اعتقلته في صورة (صانع الأزمات).
الغريب أن ياسر وهو يقدم هذه المرافعة هادئة الصوت، كان يطلب مني أن أستفسر أحمد هارون، حول الأدوار التي كان يقوم بها في إطفاء الحرائق داخل ماكينات الشراكة، وكيف أنه أسهم في إيجاد كثيرٍ من الحلول لأزمات وخلافات واجهت الشريكين.
-3-
كنتُ على قناعة أن بإمكان عرمان، لو تجاوز معاركه الصغيرة ، أن يُصبح من أولي الشأن في السياسة السودانية، ولكن مع مضيِّ الأيام والسنوات، وتعاقب الأحداث، وتعدُّد المواقف، وتكرار الأخطاء؛ تضاءلت فرصه وتكاثر أعداؤه، حتى داخل مجاله الحيوي إلى أن خفَّ وزنه السياسي وهان أمره .
كثيرون حمَّلوا عرمان مسؤولية انقسام الحركة الشعبية الأخير، وكتب بعض الرفقاء عن عيوب سياسية وشخصية، جعلته يفقد رصيده من الأصدقاء والمُناصرين والحلفاء؛ فبات يبحث عن نُصراء في العالم الافتراضي!
قبل خسائره الأخيرة، شَنَّ عددٌ من رفقاء عرمان في الحركة الشعبية، هجوماً ضارياً عليه، عبر كتابات نارية اتهمته بالدكتاتورية والتسلط .
-4-
قبل فترة، شاهدتُّ (لايف) له عبر صفحته بـ(الفيسبوك)، لم يجد المتابعة والاهتمام، رغم سخونة الأحداث.
وبزيارة تجوُّليَّة خاطفة للصفحة الإسفيرية التي تحمل اسمه، يبدو ملحوظاً للزائرين، ضعف التجاوب مع البوستات الهتافية التي يكتبها مثل ما ظل يحدث مع قصائده الركيكة ؛ فالمتابعة للصفحة أقلُّ من أيِّ ناشطٍ إسفيريٍّ صغير ذي شهرة محدودة!
-5-
قبل أيام، نبَّهني صديقٌ لبوست كتبه عرمان على صفحته بـ(الفيسبوك)، يشنُّ فيه هجوماً طفولياً على صحيفة (السوداني).
كان المُحرِّر بقسم الأخبار الزميل عبد الباسط إدريس، قد كتب خبراً عن اجتماعات تُجريها بعض قيادات الحكومة مع قيادات معارضة. وذكر المُحرِّر أن أحد هذه الاجتماعات عُقِدَ بمنزل دكتور منصور خالد.
في يوم نشر الخبر، تلقَّيتُ اتصالاً كريماً من الرجل المفضال حسن تاج السر، ومن المحامي المعروف الأستاذ عمر شمينا، ونقَلا لي نفي دكتور منصور خالد لمعلومة أن هناك اجتماعاً عُقِدَ بمنزله، وهو موجود حالياً بالعاصمة البريطانية لندن في رحلة علاجية. أدرْتُ نقاشاً مع المُحرِّر بحضور مدير التحرير ورئيس قسم الأخبار، حول نفي معلومة عقْد اجتماعٍ بمنزل دكتور منصور. المُحرِّر أكد، وبإصرار شديد، صحة المعلومة التي أوردها في الخبر.. كان ردِّي: طالما أن دكتور منصور -عبر مُقرَّبين- نفى عقد الاجتماع بمنزله، لا نملك سوى التصحيح والاعتذار، فهذه أعراف المهنة وأخلاقياتها. وفعلنا ذلك بكُلِّ وضوحٍ وفي الصفحة الأولى.. في يوم نشر التصحيح والاعتذار كتب عرمان (بوست) يتَّهمنا بالكذب، وأن الخبر سُرِّبَ إلينا من جهاز الأمن. مثل هذه الاتهامات تأتي في العادة من ناشئة السياسة، ولا تليق بمن يُقدِّمون أنفسهم لقيادة الناس. بالمنطق البسيط، لو كانت هناك نيَّةٌ سيِّئةٌ لغرضٍ أمنيٍّ أو سياسي، لما كان هناك اعتذارٌ، ولكان من السهل اللفُّ والدوران على الخبر، أو على مُحتواه.
-أخيراً –
أطلعني أول أمس الأخ الصحفي عطاف عبد الوهاب، على رسالة صوتية من عرمان، يدَّعي فيها أنه هو من قام بتصحيح الخبر، بحُكم علاقته بدكتور منصور!
الحقيقة الواضحة للمُتابعين، أن الصحيفة هي التي قامت بتصحيح الخبر، فلماذا الكذب، رغم قصر حبله وسهولة فضحه؟ !!
لا سبب سوى مُحاولة إعادة الضوء لاسم خمل ذكره، وخَفَتَ أثره، بعد صيتٍ وضجيج!