سوداني نت:
الأحزاب السياسية السودانية نشأت على حساب بعضها البعض و لا تمارس ساسة التشاركية في الوطن ولا المنافسة الشريفة و انما تبني نجاحها على إفشال المنافس و إقصاء المصاحب …
وهي في سبيل الهيمنة على السلطة يمكنها بيع كل شيء حتى الوطن نفسه و الشعب ذاته و يمكنها ان تتعاون مع الأعداء التقليديين للبلاد و الطامعين في ثرواتها و مواقفها الدولية …
و اثر ذلك هي تعمل على الاستحواذ على الجيش و الأجهزة الأمنية و على الخدمة المدنية و كل شريان يضخ دم الوطن تريد ان تقف عنده و تبني محابسها على قنواته …
فعقيدة الأحزاب السياسية السودانية هي المصلحة الحزبية و ثراء الكوادر القيادية باعتبار ان الثراء وسيلة لقيادة المجتمع و شراء التبعية ووسيلة كبرى للتحكم في الاقتصاد الوطني …
ذلك ما أظهرته الممارسة السياسية بعد سقوط نظام البشير اذ سعت احزاب الحرية و التغيير الى سحق منافسيها و تجفيف مواردهم المالية و البشرية عبر ما يسمى بلجنة ازالة التمكين …
عملت اللجنة على احتلال المواقع القيادية في الخدمة المدنية و في الشركات الحيوية كشركة الكهرباء و المياه و تعمل جاهدة على دس كوادرها في الجيش و البوليس و اجهزة الدولة الأمنية و مكاتب الدستوريين و استماتت هذه اللجنة و أحزابها في الأخذ بناصية السفارات و علاقات البلاد الدولية …
و قاتلت قوى الحرية و التغيير على قلة كادرها و تواضع نوعيته و على قلة شعبيتها الجماهيرية أن تكون هي وحدها موسسات الدولة الرسمية و الشعبية و أن تكون وحدها هي السلطة القضائية و العدلية و أن تكون هي وحدها الخصم و الحكم و الجلاد …
فعجل ذلك بانهيارها و انقلابها على بعضها و احترابها في نفسها و ألجأها إلى الاستقواء بالأجنبي و التنازل عن الأجندة الوطنية و اكسبها التناقض الذاتي و ازدواجية المعايير و افلاس الخطاب السياسي و الإعلامي …
و قوى الحرية و التغيير مثلها و مثل أي حزب قام على انقاض غريمه لم تدرك قيمة التعاون و لم تصل الى حقيقة قبول الآخر وهي إلى الان تسعى الى ايجاد وثيقة دستورية تعمل على الإقصاء و الشيطنة و التمكين …
ما وصلت له الدراسات و توصلت اليه القوى السياسية هو ان منصة قيامها و منطلقات ممارستها السياسية لم تكن وطنية الأهداف و الوسائل و لم تضع الهم الوطني هاديا لها حين يجهل الرشيد او تختلط الأمور و فوق ذلك كله غابت الروية للدولة و للمجتمع و غابت ثوابت و متغيرات الاستراتيجيات و الخطط …
و ما تحتاجه البلاد هو ليس إصلاح اقتصادي فقط أو توافق سياسي عابر و انما تحتاج تغييرا مجتمعيا و سلوكيا عميقا يعمق الرشد و يعلو بالوعي إذ أن كل معالجات الأزمة السودانية ترتكز على منصة الأخلاق و الإخلاص …
و أية معالجة لجذور الأزمة لا تبدأ بمعالجة الممارسة السياسية نفسها بوضع مواثيق اخلاقية شاملة يتضمنها الدستور و تحميها القوانين تكون معالجة فوقية فاشلة كدهن الحديد قبل ازالة الصدأ و كبناء القصور فوق كثبان الرمال …
قال الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ ﴾ نسال الله الا يوقع بنا سوءا لسوء أنفسنا و يهدينا لتغيير السوء بالخير و تبديل الظلم بالعدل …