سوداني نت:
إن الشعوب الحية هي التي تدرك أن لمستقبل أجيالها كل الحاضر . و تدرك أن الحياة على وسعها لا تسع متخاصمين في شعب واحد في بلد واحد . و تدرك قيمة العقل و قيمة الوقت و قيمة الإنسان و من حوله . فتدع بذلك دواعي الحروب فيما بينها وتنسج حبال تعاونها وتؤسس لعلاقاتها بما هو عادل و حكيم …
إن الشعوب الناضجة هي التي تحفظ نفسها بعدالة القانون الكافي ، و تطور ذاتها بجودة الأنظمة الشاملة ، و ترعى مصالها برعاية تقدمها و بإخلاص نواياها و بتنمية العادات و التقاليد التي تخدم ذلك و لا تهدمه …
إن الشعوب الكاملة هي التي تعي أن ببعضها يمكن أن يقوى كلها ، و بأفرادها يمكن أن يتكامل شعبها ، و بمجموعها العام يمكن أن تسحق كل من يهدد وجودها أو يطمع في مقدراتها …
أننا في السودان نحتاج تلك القيم و نحتاج القيادة التي تضعها في صورة منهجية قابلة للقياس و التخطيط و التقييم و التقويم حتى نضع شعبنا في القالب القيمي السليم …
و كل التراجع المجتمعي و التنموي مرجعه الى الخلل الأخلاقي الذي اصاب شعبنا دون ان نشعر به او نعترف به حتى صار تراكميا بالدرجة التي أدت الى انهيارات البلاد الماثلة الان …
ليست النخب السياسية وحدها و إن كانت تتحمل الوزر الأكبر ليست وحدها المسئولة عن السقوط الأخلاقي الذي اصاب الخدمة المدنية و الممارسة السياسية و الحياة الاقتصادية و المجتمعية ، و انما تتحمل هذه الجريمة الشمطاء اضافة الى السياسيين تتحملها موسسات الدولة المختلفة و من تعاقب عليها من الدستوريين و المديرين و المسئولين منذ السودنة و حتى الان …
حيث وصل بنا الحال الى ان نعجز تماما عن ايجاد صيغة توافقية تنهي الاستقطاب السياسي و تصل بالبلاد الى مرحلة انتقالية معافاة تفضي الى انتخابات حرة و نزيهة و تصل بالسودان و شعبه من بعد ذلك الى مرحلة الصفر الذي تبدا بعده فترة تاسيس البلاد و تحقيق الاستقرار العام و الشامل …
عجزنا تماما من ان نقبل بعضنا و أكرر باننا والله عجزنا من ان نقبل بعضنا و نوقف تدخلات الدخلاء و اجندة العملاء وهذا العجز اخلاقي من الدرجة الأولى و بئست هذه الأخلاق التي وقفت حاجزا أمام الوحدة الوطنية …
و اذا كان السياسيون قادة الدولة و المجتمع بهذه الدرجة الوضيعة التي منعتهم من قبول بعضهم البعض فما بال الرعية و العوام الذين يساقون كما تساق القطعان فحتما و أكيد هم اداة لتنفيذ السوء الأخلاقي و التدني القيمي و حتما و قطعا هم حملة السلاح و ادوات التخريب و جنود المخططات التي تستهدف البلاد و العباد …
فإذا كانت أزمتنا الماثلة هي أزمة اخلاقية فالتغيير و ان كان مؤلما يجب ان يبدا من عمق الجذر الأخلاقي داخل النفس و يتمدد فيها حتى ينقلب الى داعٍ الى الخير منازع للشر …
فيشمل بذلك الدستور العام للبلاد و المناهج التربوية و القوانين و التشريعات و اللوائح التي تنتظم الدولة و المجتمع و يشمل ثقافة الشعب و آدابه و إعلامه و يطوع ذلك التغيير التاريخ للتعايش السلمي و يشيع تقديس القانون و تقديس الكرامة البشرية و الحرية الاجتماعية …
و يضع المثالية هدفا لاستقامة الفرد و يصنع من الجماعة تكاملا و تكافلا و يخلق من موسسات الدولة ابداعا و جودةً ترتقي بالتنمية الى مصاف الشعوب الحية و الأمم الناضجة و المجتمع المدرك …