سوداني نت:
يكلفون حزب البعث فوق طاقته أؤلئك الذين يرجون منه أن يقيم، مع باقي أحزاب الفكة، دولة حرية وسلام وعدالة، فلا حجم الحزب يؤهله ليسلك سلوك الكبار، ولا تاريخه مع الانتخابات يسعفه، ولا التجارب الأم تمده بما يساعد في إثبات جدارته بهذا العشم، ولا العسكر يكلفونه بشئ غير الأدوار القذرة التي يترفعون عنها لا لعجز ولا لإيمان بالحرية ولكن ربما لغياب الغبينة الخاصة، ولمصلحة استمرار لعبتهم لتخدير المعارضة .
حين تكون الإفطارات مؤامرة كونية تستدعي استنفار النظام قواه للتعامل معها، فإن النظام يتقزم ويصغر عقله ليكون في حجم عقل حزب مجهري إرثه إرث هوس بالمؤامرات فاعلاً لها ومدعياً، لهذا لم يكن مستغرباً ضعف الخيال والاستهتار بالعقول حد الزعم بأن “خليةً إرهابيةً من نظاميين بالخدمة” لم تجد مكاناً تتجمع فيه و”تخطط للتخريب” إلا مناسبة إفطار جماعي في الهواء الطلق يستطيع وجدي التكريتي نفسه، أو غيره من التكارتة، أن يرسل عيونه داخله !! ولم يكن مستغرباً أن تكون هذه الفترة هي الأكثر تسلطاً وتضييقاً على الحريات من بين كل التجارب الانتقالية، والأكثر فشلاً، والأكثر تمديداً للأجل وهروباً من الانتخابات، والأكثر تضييقاً على الشعب في معاشه … والأكثر سرقةً للصلاحيات، والأكثر هدماً للثوابت بواسطة هذه الصلاحيات المسروقة، والأكثر بيعاً للسيادة، . اللافت أن العسكر، بذكاء خبيث، قد باعدوا، إلى حد كبير، بين أنفسهم وبين الأربعة الأولى من هذه السبع الموبقات، وتقاسموا، ببجاحة سلطوية لافتة ولأسباب تتعلق بإرضاء الخارج، المسؤولية مع المدنيين عن الثلاثة الأخيرة
يكفي تدليلاً على صغر أحزاب البعث أن قادة المرحلة من البعثيين المنتفخين لا يعرف الناس حتى أسماء أحزابهم ناهيك من برامجها والاختلافات بينها، لتأكيد هذه الحقيقية لا يحتاج الأمر سوى اختبار صغير : ما أسماء أحزاب هؤلاء “القادة”: وجدي صالح، عادل خلف الله، محمد ضياء الدين، محمد وداعة، إيهاب الطيب،، يحيى الحسين، ؟ وكم منهم يجمعهم حزب بعث واحد ؟
مشاركة البعث في السلطة لا تتعدى نصيبه في وظائف التمكين التي صنعت الفشل المشهود، إضافة إلى مشانق أبي جنزير التي يحلم بها محمد ضياء الدين الذي تشهد المواصلات في عهده أزمتها الأكبر، وحملات الدفتردار الإنتقامية التي يقودها وجدي صالح، فالحزب يشكل غياباً تاماً عن رسم الخطوط العريضة لسياسات النظام، ما عدا الجزء الخاص بالقمع والتسلط.
يطبع النظام مع إسرائيل والبعث لا يجد ورقة توت يستر بها عورته سوى القول على لسان محمد ضياء الدين ( البعث سيعمل بشكل جاد وصبور لمقاومة التطبيع مع إسرائيل من داخل مؤسسات الدولة أو المؤسسات السياسية) ! ولا أدري إن كان هذا سيُعد تعطيلاً لأعمال الحكومة أم لا، هذا إن كان البعث جاداً في زعمه بخصوص المقاومة .
يعوِّم النظام الجنيه ويرفع الدعم باستمرار ويطبق روشتة البنك الدولي، ومحمد ضياء الدين يتهم الحكومة اتهاماً غليظاً ( بالخضوع الكامل لإملاءات خارجية وتطبيق سياسة التعويم ) .. ويتهم الجهات صاحبة الإملاءات بأنها ( تعمل بشكلٍ جدي للسيطرة على مقدرات وموارد البلاد) لكنه يغطي عورة الحزب بمقولة متناهية الخفة من شاكلة ( البعث مع احترامه الكامل لمواقف الآخرين لكنّه يتهرّب من تحمّل المسؤولية), ولا أدري كيف يحترم حزب محترم مواقف من يخضعون بالكامل للإملاءات الخارجية، ولا أدري إن كانت كلمة “يتهرب” هذه من صياغة موقع “اسكاي سودان” الذي نقل هذه التصريحات في الثاني من مارس المنصرم أم هي من اجتراحات/شتارات ضياء الدين .
يوقع البرهان مع حركة الحلو على اتفاق يبحر بالدولة بعيداً عن الفضاء الثقافي العربي، ويضيف إلى فصلها عن الدين فصلاً آخر أكثر عمقاً وأكثر جذريةً وأكثر علاقةً بالعمود الفقري لفكرة البعث، ويشرح د. محمد جلال هاشم عبارات الاتفاق ويوضح بأن فصل الدولة عن الهويات يعني أساساً، الغاء اللغة العربية كلغة رسمية للدولة . والحزب – كالعادة – لا يملك سوى الصمت أو المباركة أو التحفظ الباهت الذي من شدة ضعفه لا يتحسس منه الموقعون .
يحدث كل هذا الذي يضرب فكرة الحزب في الصميم خارجياً وداخلياً، اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، الأمر الذي يجعل النظام الحالي أهلاً لثورة بعثية لا تبقي ولا تذر وليس مجرد “الحردان” . لكن الحزب يشدد على لسان محمد ضياء الدين على ( التمسك بالبقاء داخل الحكومة لأن هذه المرحلة من تاريخ البلاد لا تتحمّل ”الحردان”) ! عندما قرأت كلمة الحردان هذه قفز إلى ذهني القائد البعثي “حردان التكريتي”، والبعثيون يعلمون ما حدث له من الرفاق مع بدايات الدموية البعثية، كل الخشية أن يذهب البعثيون خطوات إلى الأمام في الاقتباس من تجاربهم الأم .
لكل هذا أستطيع أن أقول إنني لم أكن مغالياً حين كتبت في مقال سابق : البعث لا يعرف الثورات الديمقراطية، إرثه إرث إنقلابات، وتصفيات للرفاق قبل الخصوم، ومن شابه حزبه الأم فما ظلم.. وجدي صالح؛ التجسيد الأقصى للإنقلابي البعثي العابر لخط التماس الدموي العراقي السوري، لولا أن عسكر لجنة التمكين لا يكفون لأداء المهمة، لما أغنته “حلبجة” سودانية عن “حماة” مثلها .. صدام والأسد يتعايشان داخله بأريحية تحتار فيها روح الرفيق – المغدور على خط التماس – عبد الخالق السامرائي .