سوداني نت:
كانت هناك مدينة يشتهر أهلها بالغباء وكان في مدينتهم حفرة كبيرة تسببت في سقوط الكثيرين،فكروا في إيجاد حل،اتفقوا على إختيار أذكى ثلاثة أشخاص لحل المعضلة وبعد اختيارهم أصبح سكان المدينة ينتظرون قراراتهم في معضلة الحفرة.
إجتمع الثلاثة وقال الشخص الأول نجمع ناس القرية حول الحفرة ومن يسقط ننقله سريعاً إلى المستشفى ، رفض الثاني الفكرة وقال إن الحل هو أن نحضر سيارة إسعاف وكلما وقع شخصاً ننقله سريعاً إلى المستشفى،جاء الثالث وقد وافق الشخصان على فكرته حيث قال لهم :نردم هذه الحفرة ونحفر حفرة أخرى بقرب المستشفى حتى يسهل نقل الذين يسقطون في الحفرة إلى المستشفى.
هذا ملخص لقرار البنك المركزي الأخير(7/أ) بشأن تعويم الجنيه كأساس للحل الإقتصادي.
البنك المركزي تاريخياً يستجيب بسياسات نقدية معاكسة تماماً للتصدي للأزمات بل تنطبق عليه مقولة (جا يكحلا عماها ).
أساسا البنك المركزي ظل يعكس عقبات في سياسات سعر الصرف غير مفهومة من خلال مناشيره التي يصدرها ويتحاشى إطلاق تحذيرات مهمة بشأن التوازن المالي_النقدي، كما أن سياسة البنك الرسمية بدلا عن تحقيق هدف إستقرار الأسعار نجدها تقود نيران التضخم بسياسات نقدية تضخمية حيث بلغت الاستدانة 200 مليار لتغطية سوء سياسات وزارة المالية هذا جعل البنك يعزز من النمو الاسمي الذي يقود فقاعة العجز الحكومي.
أخطر مافي الأمر هو الموارد البشرية في إدارات البنك حيث ليس لديهم رؤية خارج وظيفة البنك التقليدية في التوازن السعري إلى أدوات توظيف أدوات الإقتصاد الكلي وترسيخ سياسات الإقتصاد المالي وهذا يظهر بوضوح في منشورات قطاع الذهب والذي يمثل فيه الخطر النظامي هشاشة مالية نسبتها مخيفة جداً ليس أقلها أن جعلت موقف الإحتياطي منكشفا أمام الأزمة الإقتصادية بل ترسخ إنفصال إجراءات أدوات السياسة للتحكم في التقلبات حتى على مستوى التضخم ومعدل النمو الإقتصادي الذي يمثل القاعدة الصلبة للنمو الاقتصادي.
يأتي قرار فتح المتاجرة بالعملات للمصارف بسعر السوق الأسود تحصيل حاصل للفوضى الممسكة بخناق الإقتصاد في عمليات المضاربة في الدولار والذهب والمحاصيل النقدية،فقط الجديد تم تقنين الكارثة رسمياً من الدولة وهنا أصبحت الدولة هي التاجر الأسمى في السوق وصار البنك المركزي ليس له أداة غير (الدف)يضرب فتتراقص المصارف والمضاربين طربا. بينما مهمة الشعب سداد فاتورة الحفلة في هذا البازار الكبير.
بالرغم من أن الكتلة النقدية لا تمتلك المصارف منها سوى 3 %فقط لاندري كيف ستشتري هذه البنوك مامقداره 10 مليار دولار سنوياً وبالسوق الأسود. .هل سيكون هناك زواج كاثوليكي بين القطط السمان التي تقود المضاربات في السلع والمصارف تمهيداً لتحكم هذه القطط في النظام المصرفي على مستوى العمق بعد أن سيطروا عليها تاريخياً على مستوى السطح. . هذه السيطرة ستمتد بفعل عدوى المصارف إلى تحكم شلة اوليغارشية أيضا على البنك المركزي لأن الآن الغلبة والقوة للمضاربين والمصارف ضد فريق البنك المركزي الضعيف بل المستقيل الذي تخلى عن أهم دور له في الرقابة والإشراف بعد أن تخلى عن أهم أداة نقدية لتصميم سياساته (الذهب) التي تسمى في الإقتصاد الهبة الإلهية ( Divine Coincidence Economy )والتي يمكنها جزئياً سد عورة الضعف الأكاديمي المعرفي التي تخيم على سقف سماء البنك ،حيث غياب (النموذج) وبالضرورة( إطار السياسة النقدية ).
المعروف بديهيا أن التمويل المصرفي ليس له نسبة تذكر عند الحديث عن النمو الإقتصادي في المجالين المهمين الزراعي والصناعي بل تخصص أموال المصارف والائتمان لتمويل تخزين المحاصيل وليس لتمويل المزارع هذه الصورة المقلوبة التي تقود تعزيز الأزمة الإقتصادية وانهيارات الجنيه يشيح المركزي بوجهه عنها وبدلا من إبتكار الأدوات النقدية للتصدي نجده يبتكر فقاعة الأزمة المصرفية بقرار التعويم أخيراً وليس آخرا. وبالرغم من الإفلاس غير المعلن لبنك السودان والمصارف فقراره الأخير يعني بعبارة أخرى لايجوز إنقاذ المصارف المتعثرة من خلال تدخل الدولة بل من خلال ثروة صغار المساهمين وأصحاب حسابات التوفير وهو قرار لتحميل المدخرين أعباء المصارف المتعثرة من خلال مضاربة المصارف للدولار بدلا عن اجتذاب الكتلة النقدية عبر منهج وعلم الإبتكارات المالية وهم غير ملامين بعد أن صار موظفي المصارف فقط يجيدون الإيداع في الحساب والصرف من الحساب بعد أن أصبح قسم الموارد البشرية أثرا بعد عين في دواوين الحكومة والقطاع الخاص.
قرار البنك يعني هروب أموال المودعين من المصارف وذلك لأنهم قرروا بغباء شديد دخول معركة الدولار بنفس أسلحة المضاربين وأهل مكة أدرى بشعابها كما أن الحكمة التاريخية أثبتت أن في كل معركة بين الدولة والسوق من يربح المعركة هو السوق 6 /صفر.
يمثل قرار المركزي تجميع للمخاطر التي ستزيد شبح الوخامة التي تحوم حول المصارف واتساع رقعة الإحتلال المالي من مصارف الظل التي تنشط دون ضوابط وبلا توجيه حكومي.
قرار البنك المركزي يعكس حجم فاتورة برنامج الصدمة المذدوجة الوخيمة التي تنص عليها مشاورات المادة الرابعة والتي تعتبر أكبر ضربة توجه إلى جماهير ثورة ديسمبر.
إن تداعيات أزمة السيولة تعتبر نقطة في محيط بالنسبة لتخبط قيادات المركزي بشأن السماح للجهاز المصرفي بالمضاربة في العملة الوطنية وهو في الحقيقة يعتبر إعلان إفلاس غير مدروس (إذا ذبحتم فأحسنوا الذبح) وأتى من خلال ضغوط قوية مورست على القيادة السياسية.
بهذا القرار وصدوره بدأ التدشين الفعلي لتبعية البنك المركزي الكاملة ووفقا لحالته الاعتبارية إلى غول السوق ووحوش المضاربة وتعتبر هذه استقالة أمام شعب الثورة وبذلك يكون المركزي قد وضع دولة كامله بشعبها في فوهة البركان وذهب هو في إجازة طويلة مدفوعة الثمن.
إن برنامج الصدمة المذدوجة ينظر إليه صندوق النقد الدولي بشئ من الصمت وبحذر المرتاب وللصندوق إصرار غريب على التمهل وهذا يظهر في تصريحه الرسمي بأن تطبيق الحكومة لصدمته المزدوجة لايعني بأية حال أن يقدم لكم ولو دولارا واحدا للتخفيف عن مصاب شعب السودان وتجويعه نتاج هذه الآثار الكارثية فالصندوق يعلم تماماً فساد النظام المصرفي ويعرف أيضاً أن الاقتصاد لا يزال بلا مؤسسات حكومية قادرة على حماية الملكية الخاصة وأيضاً لايزال غير واضحاً مدى قوة المقاومة التي سيبديها الشارع وشباب الثورة مالكي ديسمبر الحقيقيين وجموع جحافل الفقراء ضد هذه السياسات المعلنة والتي تمتلك جرأة في التطبيق تخفي وراءها بلا شك كارثة يمكن أن تحاكي كارثة ميدان تيانجين المشهورة. . أما مايقلق الصندوق وصولجان الليبرالية في الطابق الرابع تحت أرض مانهاتن ومركز وادي السيليكون هو عودة الجيش والإسلاميين للسلطة عبر مجازفة حيث مبدأ علم السياسة الراسخ : السياسة تأبى الفراغ. خاصة أن هنالك برنامج تشكيلي خارطي ضمن جيوبولتيك أوسع لكننا سنأخذ منه ورقة إقتصاد شركات المنظومة الأمنية، لأن تسديد الديون الخارجية للدائنين يعتمد طريقين لا ثالث لهما :
📍إلغاء جميع أساليب الدعم المالية الممنوحة للزراعة والصناعة والفقراء.
📍التقليص بنحو شديد وفعال الأموال المخصصة للمناحي العسكرية في الميزانية الحكومية.
البدوي مرحلة. . هبة مرحلة ولكن الموجة الثالثة هي الأهم حيث تشير إلى قرب أفول نجم سياسي كبير ويكون الصندوق قد حقق مراده، وفي ظل القيادة الجديدة سيدخل السودان رسمياً مرحلة إخضاع الاقتصاد الوطني لإجراءات العلاج با (الصدمة المذدوجة).
صاحب صولجان الحكم في الخرطوم المشبع بأفكار الليبرالية المحدثة وصاحب الخبرات العملية في تنفيذ إصلاحات لاتعرف الرحمة وموجهة ضد الكادحين هو أساس (الشمولية القادمة)التي ستنهض من جديد من تحت رماد ثورة ديسمبر .
د.عثمان برسي
ممثل لجان المقاومة /لجنة الموازنة