سوداني نت:
العين الثالثة:
-١-
سؤالٌ ابتدائي:
هل بإمكان طالبٍ أن يقدِّم اعتذاراً للجنة امتحانات السودان يبرر من خلاله رسوبَه في بعض المواد؟!
ويكون الردُّ قبولَ الاعتذار، ومنحه درجات إضافية حتى يتمكن من دخول الجامعة وإكمال المشوار!
العملُ العام كذلك هو امتحانٌ شفاف، تحدِّدُ فيه الدرجاتُ التحصيلية، الناجحَ من الفاشل!
تعددتِ الاعتذاراتُ الحكومية في الفترة الأخيرة:
اعتذر وزير الصحة السابق دكتور أكرم التوم عدة مرات، عن أخطاءٍ ارتُكبت في التعامل مع جائحة الكورونا.
وزارتا التربية والمالية اعتذرتا عن عدم المقدرةِ على تنفيذ وعودِ مجانية التعليم وتوفيرِ الوجبة المدرسية.
إدارةُ المناهج اعتذرت عن عدم التمكن من طباعة سوى كتابين مدرسييْن فقط!
آخرُ اعتذار جاء من لجنة إزالة التمكين عبر وجدي صالح عن أخطاءٍ ارتُكبت في فصلِ وتشريد بعضِ العاملين في أجهزة الدولة.
-٢-
الاعتذارُ عن الأخطاء في السلوك الفرديِّ والجماعيِّ أمرٌ جديرٌ بالاحترام والتقدير ومستحقٌ للإشادة.
بعضُ الأخطاء في حق الآخرين يتمُّ فيها جبرُ الخواطر بكلمات طيبات.
كلماتٌ، لا تكلِّف سوى القول بها فقط، مضافٌ إليها ابتسامةٌ تصالحية.
أخطاءٌ أخرى تتطلب الاعتذار الأدبيَّ الشفاهي أو الكتابيَّ وأن يضاف إليه بعدٌ ماديٌّ لتخفيفِ الضرر وتعويضِ الخسائر.
توجد أخطاءُ هي في الأساس خطايا أو قريبةٌ من ذلك، تحتِّم على مرتكبها الاعتذارَ الأدبيَّ والماديَّ مع فرض العقوبة.
قد تكون العقوبةُ المناسبة مغادرةُ الموقع بتقديم الاستقالة وهذا ما يحدث في الديمقرطيات المحترمة وما هو غائبٌ عن أدبياتنا السياسية.
-٣-
قبل فترةٍ من الزمان استقالَ أربعةُ وزراء مهمِّين في الحكومة البريطانية لأخطاء صغيرة ، وهم وزير الدفاع مايكل فالون ونائب رئيسة الحكومة داميان غرين، ووزيرة الدولة للتنمية بريتي باتيل، وزيرة الداخلية آمبر راد.
بعد انتهاء مذابح رواندا في منتصف التسعينيات في صراع الهوتو والتوتسي والدخول في مرحلة التصالح والتعافي الوطني.
تم تصنيف الجرائم: إلى ما يُقبل فيها الاعترافُ والاعتذارُ أمام المجالس الشعبية وما تستحق المحاكمة عبر منصات القضاء.
-٤-
كلُّ الأخطاء الحكومية السودانية المُعتذَر عنها لا تكفي فيها الاعتذاراتُ المجانية.
دكتور أكرم بعد كل ما ارتُكب من أخطاء كارثية في الحقل الصحي، أدت لانهيار المنظومة الطبية، رفَضَ تقديم الاستقالة!
ولم يغادرْ موقعه إلا تحت الإكراه، فقد ظنَّ أن الشارع سيثور من أجل بقائه في المنصب!
أخطاءُ وزارة التربية والتعليم وإدارة المناهج هي أقربُ للخداع السياسي وسوء الإدارة.
إذا لم تُحدِّثْهم أنفسهم بالاستقالة، كان الأولى لمتخذ القرار أن يُمضي عليهم قرار الإقالة؛ عاجلاً غير آجل.
أما اعتذارُ لجنةِ إزالة التمكين عبر وجدي صالح فهو الاعتذارُ الأسوأُ.
الاعتذارُ المطلوب كان يجب أن يكونَ عن المنهجِ المعوج، لا عن بعض القراراتِ التي وجدت صدىً سالباً في الشارع العام ولدى منظماتِ حقوق الإنسان.
-٥-
منهجُ اجراء محاكمات تلفزيونية، تشهيرية تشويهية، لأفراد بالفصل والإدانة، واحتكارُ سلطة النيابة والشرطة والقضاء هو ما يستحق المراجعة والاعتذار والعقاب القانوني كذلك.
فالسلطةُ المطلقة مفسدةٌ مطلقة، كما قيل.
كان على اللجنةِ محاربةُ الفساد وإنهاءُ التمكين عبر عمليات جراحية نظيفة.
عملياتٍ قانونية، تلتزم مبادئ العدالة وتحفظ الحقوق الدستورية.
لا عبر أساليبَ فاسدة أشبه بسلوك عصابات أمريكا اللاتينية، والأنظمة الاستبدادية في المنطقة العربية.
الترخصُ والتساهلُ في الفصل والتشريد والتشهير بناء على الشبهات والوشايات والمكائد الحزبية، لا يمكن جبرُ ضرره باعتذارٍ تلفزيونيٍّ بارد.
هذا من نوع الأخطاء المستوجبةِ للاعتذار الأدبي والتعويضِ المادي والمساءلة القانونية لمن ارتكب ذلك.
-أخيراً-
نعم لثقافةِ الاعتذارِ كسلوك حضاري محترم، ولا لابتذالِ الممارسة ومجانيتها وانتهازيتها، وتحويلَها لأطواقِ نجاةٍ للهروب من الفشل والجرائم!