سوداني نت:
لا أدري أهو الاستصحاب للأمكنة والأزمنة، أم هو الاعتياد على موسقة ولحن بعينه؟!، والمعلوم يقينا أن السمع بعد أكثر الحواس أرتباطا بمستودع الذاكرة،
والمرء دوما أسير مايسمع من أصوات وموسيقى في باكر حياته، وقد يصل الأمر إلى التأثير على ملكة التقييم والترجيح لديه، والناس بطبعهم أبناء بيئتهم وأسيروا سمعهم وبصرهم، والوجدان جماع المنداح من تداعيات الصور والأصوات والمواقف.
أم أن الأمر ابداعٌ مخبوء في أناشيد هذا -الثنائي الوطني- محمد حميدة ويوسف السماني؟! لعمري إنه إبداع يفعل بالنفس الكثير المثير!
كم اطرب لانشودتهما (الحب الكبير)/يابلدي ياحبي، و(وداير اشوفك يابلادي)، و(أمة الأمجاد)، و (باري الشمس ياغمامة) وسواها من اعمالهم الفنية المجيدة، ولاغرو أن حُبَّ الوطن قيمة لاتكاد تعلوها قيمة؛ الاّ قيمة العقيدة ودين الاسلام…
لذا قمنٌ بنا أن نعلي من شأن هذه القيمة الوضيئة…
خلال احدى اجازاتي أنبأني ابن أختي بأنهم -في كسلا- قد رصدوا أراض للسكني بالنسبة للمغتربين من أهل كسلا ممن يتحقق فيهم شرطان:
1- أن يحمل شهادة ميلاد من كسلا…
2- أن يحمل في جواز سفره اقامة سارية المفعول في دولة من دول الاغتراب.
فما كان مني الاّ الذهاب مع الذاهبين الى حيث يقبع مبنى الأراضي في كسلا، فحصلت على قطعة في مدينة التاكا الجديدة، وقد كانت أول قطعة أرض أحصل عليها مباشرة من الدولة من خلال خطة أسكانية، لقد تملكني احساسٌ عجيب عندما تسلمت العقد المبرم بيني وبين حكومة السودان والذي تشهد فيه الحكومة بأنني قد مُلّكتُ قطعة الأرض تلك على سبيل الحكر، كم كان هذا الاحساس جميلا ومدهشا ياأحباب…
فهذا العقد يقول بأنني (مواطن) سوداني لي نصيب في أرض هذا السودان، تماما مثل بعانخي، وتهرقا/ترهاقا، واسماعيل الأزهري، ومحمدأحمد المحجوب، وبروفيسر عبدالله الطيب…
ذهبت مع المساح ليسلمني قطعة الأرض،
شَدّ الرجل أوتاده على مستطيل من الأرض،
وبعيد فراغه من المسح طلب مني التوقيع على ورقة ففعلت، وسلمني نسخة منها كي أضمها إلى ملف قطعة الأرض الذي أحمله معي، ثم استقل سيارته وذهب، ولعله ليفعل ذات الأمر لآخرين ينتظرونه في مكان ما بالجوار…
وقفت بُعيد ذهاب الرجل في وسط قطعة الأرض، وانحنيت واخذت شيئا من ترابها، نظرت إلى قبضة التراب وقلت أخاطب نفسي:
ياترى من مشى على هذه المساحة من الأرض من قبل من الأجداد؟!
أيكون عثمان دقنة قد ضرب خيمته يوما عليها؟!
اتكون تاجوج قد مشت على حصاها يوما؟!
ايكون المحلق قد ربط فرسه يوما عليها؟!
وكأني بالصحراء من حولي قد ضحكت وقالت لست أدري…
قبل أعوام كنت أعكف على خارطة هندسية توطئة لبناء بيتي الكائن في الخرطوم، فجاءني زميل عمل فلسطيني ووقف بجانبي في مكتبي وأشار لي بسبابته إلى بعض النقاط في الخارطة مبينا لي وجهة نظر أخرى، وبالفعل وجدته محقا في ذلك فشكرته وعاد إدراجه لمكتبه، ثم عنّت لي خاطرة في ذات الخارطة وددت استشارته فيها، فناديت عليه مرارا ولم يجبني، فما كان مني الاّ أن ذهبت إليه في مكتبه لافاجأ باسناده رأسه بكفيه واذا بعينيه مغرورقتان بالدموع!
فسألته:
-ألم تسمعني أنادي عليك؟!
فكان رده:
-أسف والله لم أسمعك…
فسألته عن مرادي فقال:
– اسمح لي بالرد على سؤالك بسؤال؟
-لا مانع في ذلك يا باشمهندس سعيد.
-هل يا أخي عادل صليت يوما ركعتين لله تشكره فيهن بكونك لديك وطن تستطيع أن تمتلك فيه قطعة ارض، لتشرع في بنائها؟
الحق أقول بأن سؤاله قد فاجأني …
فقلت مجيبا:
-لا والله لم أفعل…
-اذن عليك أن تصلي ركعتين وتشكر الله على ذلك، فوالله إن قيمة الوطن كبيرة وعظيمة!
خرجت من عنده واحساس بالعقوق يتملكني، فقد صدق زميلي سعيد، وقد تبينت حقا مراده في المساء من خلال نشرات أخبار الفضائيات عندما شاهدت جرافة صهيونية تهدم بيتا لأسرة فلسطينية بين يدي عويل النساء وبكاء الرجال!…
وكم تبين لي ذات الحال في العديد من دول العالم، عربيها وأفريقيها وغيرها، فالبيت الذي لا تهدمه جرافات الصهاينة تهدمه الحرب التي لاتبقي ولاتذر، وحينها لا يختلف البيت المملوك من بيت الايجار…
…
اللهم لك الحمد والشكر عدد خلقك وزنة عرشك ومداد كلماتك ورضى نفسك، يارحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ان جعلت لي وطن.
[email protected]