سوداني نت:
الهلفوت فيلم مصري من إنتاج عام 1985، وهو من بطولة النجم عادل إمام وسعيد صالح وإلهام شاهين وحسين الشربيني وصلاح قابيل. كتب النص السينمائي وحيد حامد، وقام بإدارة التصوير وحيد فريد وأخرج الفيلم سمير سيف، وهو من إنتاج شركة أفلام صوت الفن، ومدة الفيلم 120 دقيقة، هذا الفيلم أحسبه من أفضل أعمال عادل إمام من حيث إجادة الدور وتقمص الشخصية بصورة مذهلة، وبالرغم من بساطة قصة الفيلم ولعلها كذلك مطروقة في العديد من الأعمال السينمائية والتلفزيونية؛ إلا ان وجود كل من عادل إمام والراحل سعيد صالح رجحا به عن عديد الأفلام التي تم انتاجها في فترة الثمانينات.
المشاهد بطبعه يناصر الضعيف المظلوم، ويتملكه الكره وعدم القبول بال(مستقوي) والظالم، ولعلها جِبِلَّةٌ بشرية لمن حسنت طواياهم واتسق وجدانهم مع القيم الحميدة وسماحة الأخلاق، لذلك فقد كانت الفرحة ببراءة عرفة (الهلفوت) عن قتل عسران كبيرة وصادقة عندما اثبت الكشف الطبي موت عسران بالسكتة القلبية وهو تحت عرفة، عندما تعاركا بجانب خط السكة الحديد ففاجأهما القطار بقدومه.
بالنسبة لي فإن أكثر المشاهد التي استوقفتني في هذا الفيلم مشهد الهلفوت عندما ذهب إلى بيت عسران لأداء خدمة، فطلب منه عسران مساعدته في التخلص من اللفائف التي اعتاد لف جسده بها ليبدو في أعين الناس قويا ممتلئا، فكانت ردت فعل الهلفوت قوله:
عالم عايشة أوانطة!
شخصية عسران شخصية يعتورها الكثير من السوء، لذلك تظل أمثال هذه الشخصية مكروهة من الناس وان اظهروا لها بعض قبول تجملا.
لقد تم عرض الفيلم قبل قليل في احدى الفضائيات، فما كان مني إلا أن أكملت مشاهدته إلى ختامه، بالرغم من مشاهدتي له من قبل عدد مرات، وبالطبع فإن افلام عادل امام تدفعك دوما إلى تكرار مشاهدتها دون ملل، وقد كنت لتوي قد فرغت عن مشاهدة عدد من نشرات الأخبار التي تحتشد هذه الأيام بأخبار سد النهضة الأثيوبي، وإذا بي اتذكر ايرادا في احد المنابر الاسفيرية لصديق لي وهو مهندس كهربائي وقد كتب:
يا اخ عادل انا دارس لاتفاقية مياة النيل في قسم الهندسة المدنيه بجامعه الخرطوم، وعلى يد المرحوم بروف صغيرون الزين صغيرون، وكان وقتها وزير للري مع نميري وكان حريصا بان يدرسنا هذه الماده بنفسه في العصريات بعد خروجه من دوام الوزاره، وبروف صغيرون كان من ضمن الوفد الفني المفاوض لاتفاقية عام 1959، لكن جمال عبد الناصر اقنع الرئيس عبود بأن يرسل طلعت فريد للتوقيع بعد ان رفضت اللجنه الفنيه السودانيه، وراي البروف كان واضحا برفض اللجنة لبنود هذه الإتفاقية التي نصت على حقوق تاريخية (مكتسبة) لمصر، وقسمة ضيزى للسودان!
وبموجبها وافق السودان على إنشاء السد العالي على تخوم اراضينا واغراق مدننا ثم سعوا إلى خصم نصف كمية تبخر المياه من البحيرة من نصيبنا الذي يقل عن ثلث نصيبهم!
وختم ايراده ب(دا شغل اونطه)!.
احسست بالضيق فاقفلت التلفاز وكذلك هاتفي، ثم اسندت ظهري إلى الأريكة مغمضا عيني عساني أرتاح قليلا، فإذا بي تحضرني أغنية الدكتور كابلي الخالدة (آسيا وأفريقيا) التي ورد فيها:
مصر يا أخت بلادي ياشقيقة
يا رياضا عذبة النبت وريقة
مصر يا أم جمال، أم صابر
ملء روحي أنت يا أخت بلادي
سوف نجتث من الوادي الاعـادي
فلقد مدت لنا الأيدي الصديقــــة
وجه غاندي وصدى الهند العميقة
صوت طاغور المغني
بجناحين من الشعر على روضة لحن يادمشق
كلنا في الفجر والآمال شرق.
والحق أقول لقد ظلت مصر وشعبها الجار بذات الوصف الذي وصفه كابلي في وجدان جيلي والأجيال التي سبقتنا، فمصر كانت بالنسبة لجيلنا منهل الثقافة والأدب والفن والإبداع، فقد تشكل وجداننا على كتابات توفيق الحكيم ومحمد عبدو ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس، ومافتئ اعجابنا موصولا بخواطر الشعراوي وظلال سيد قطب وحديثه الثر عن التصوير الفني في القرآن، مافتئنا معجبين بأشعار أمير الشعراء احمد شوقي وشاعر النيل حافظ إبراهيم، وخلال هدءاتنا ما فتئت تشنف آذاننا ام كلثوم ب انت عمري واغدا القاء وهذه ليلتي، وكذلك عبدالحليم حافظ والموسيقار محمد عبدالوهاب ونجاة الصغيرة.
وإذا بي اتساءل:
هل ظلت مصر كذلك في وجدان الجيل الحالي في السودان؟!
ولجت إلى الفيسبوك فإذا لا أجد منهم ذات الذي نكنه لمصر!
سألت بعضهم فقالوا:
لقد نشأنا فإذا بنا لانسمع سوى ترديد اعلامهم بأنهم استعمروا السودان، وعندما قرأنا عن أسماء الحكام الأجانب الذين استعمرونا لم نجد فيهم إسم مصري واحد! فكيف تقبلون انتم ب(فرية) انهم استعمرونا يوما؟!، ونشأنا فوجدناكم قد وقّعتم لهم على اتفاقية ظالمة لتقاسم مياه النيل!، وقرأنا وسمعنا بتنازلات جيلكم في موضوع السد العالي، والتي لم يقابلها منهم سوى نكران للجميل واحتلال لحلايب وشلاتين!، فكيف تودون منا بأن نغني معكم كونها شقيقة؟!
قلت لهم لقد فعل جيلنا كل ذلك بحسن نية، وتقديرا لحسن الجيرة، فالقواسم المشتركة بيننا وبينهم اكثر من أي شعب ودولة أخرى، ولكن….إذا بي كمن يحرث في البحر!
[email protected]