سوداني نت:
في البدء أثمن عاليا المجهود المقدر الذي يبذله الأطباء، وكل أصحاب المهن الصحية خلال عملهم النبيل في كل مرافقنا الصحية والطبية، وأخص بالذكر مايفعلونه الآن بين يدي هذه الجائحة التي نسأل الله أن يرفعها عنا عاجلا بحوله وقدرته وتوفيقه جل في علاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ولقد تابعنا وشاهدنا جميعا التعديات التي حدثت من بعض مرافقي المرضى على بعض الأطباء، وذاك بلا جدال أمر مرفوض ومدان، وانتهي الأمر (عاجلا) بإستصدار قانون لحماية الأطباء يتضمن الآتي:
تشديد العقوبة والتي تصل إلي السجن عشر سنوات في حق من يعتدي أو (يهدد) أي كادر طبي أثناء عمله.
ويحدد القانون عقوبات على من يتهجم على المنشآت الصحية ويعمل على تخريبها مما يتسبب في حرمان المواطن من تلقي العلاج.
ولقد جاءت الصياغة بصورة مشددة جدا كالآتي:
(مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد في أي قانون آخر، ودون المساس بالحق في التعويض يعد مرتكبا جريمة ويعاقب عن الإدانة…. )!.
ويتبع هذا القانون تكليف لشرطة بعينها للحماية، تماهيا مع هذا القانون.
الذي أراه:
أن هذا القانون قد تُسُرِّعَ في استصداره، فالسعي لإستصدار قانون (خاص) بجهة بعينها فيه اخلال كبير وأضرار ب(القوام القانوني) للدولة، علما بأن عدد التعديات على الأطباء خلال الأعوام الماضية لا أخالها بأكثر منها على الأساتذة في الجامعات والمدارس كمثال!، وللعلم فإن القانون (العام) يدين ويجرم المعتدي على أي موظف في أي مرفق من مرافق الدولة، ويستطيع المعتدى عليه الانتصاف وأخذ حقه دون حوجة لاستصدار أي قانون جديد!
أما كان الأولى من الجهات القانونية والبحثية دراسة السبب الأساس في تعرض (الطبيب) لهذه التعديات من الناس؟!
وبالطبع وبكل تأكيد فإنني لا ادافع عن أي اعتداء حدث لطبيب، انما يدفعني الحرص على السلامة لكل اطبائنا وكذلك أهلنا.
وكم هي – أصلا- عدد التعديات التي بنت عليها وزارة الصحة للضغط على المؤسسة القضائية لاستصدار القانون؟!.
ولماذا الأطباء بالذات؟!
هل سعى احد منا البحث عن إجابة لذلك؟!
بلا جدال فإن أهلنا في هذا السودان لمن حسن الطوية بمكان، ويكفي اننا أكثر الشعوب إيمانا بمبدأ (عفا الله عما سلف)، وكذلك من امثالنا المعروفة (ياخي الروح بتروح)، لذلك فإن الذي يستدعي (غضبة) تدفع بمرافق لمريض – بالضرورة يكون ابنه أو شقيقه أو والده- (إنما الشديد القوى)، وبالتالي حري بنا أن نتبين كنهها وسببها، فلماذا الجزم دوما بأن الخطأ يكون من جانب واحد؟!
المعهود أن لاتصدر القوانين بهذه العجلة دون دراسة وافية تضع كل التفاصيل صغيرها وكبيرها، استصحابا لكل مايلي الأمر، ليضمن الناس مآلات جابّة للحدث، وتشريعات تعالج كل قصور أذى إلى الغضبات والتعديات.
قد يكون الرد بأن الفعل من أهل المريض ماكان له أن يصل إلى الضرب والإتلاف، ذلك صحيح؛ لكن القانون الجديد ينص على الإدانة ب(التهديد) أيضا، وهذا لعمري خطل كبير، فهو يمكن أن يستغل من طرف الطبيب ضد أهل المريض، وبالتالي تكون عليهم (ميتة/مرضة وخراب ديار) كما يقول المثل.
هناك ياأحباب الكثير مما ينبغي اعتباره والركون إليه قبل الخلوص إلى قانون (خاص) بأي جهة بعينها مهما كان تقديرنا لها، فإن كان الأطباء أبناء لنا، فإن مرافقي المرضى هم أيضا أهل لنا.
علينا أن نكون منصفين و(واقعيين) فننتبه لطبيعة نظرة (بعض) الأطباء عندنا إلى نفسه!، جل الأمهات والآباء منا يتمنون ويسعون حثيثا لأن يصبح أبناءنا وبناتنا أطباء وطبيبات، ونسعى إلى اسباغ كلمة (يادكتور) عليه منذ أن يلج إلى سنة أولى طب، فيتملك البعض منهم احساس بالتميز والفوقية وشئ من غرور، فينعكس ذلك على أسلوب تعامله مع الآخرين، و(منهم أهل مرضاه)، والحق يقال هناك أطباء كُثُر يكونون مثالا لحسن التعامل مع مرضاهم ودماثة الأخلاق، ومنهم كثر يستطيعون امتصاص غضب مرافقي المرضى عندما يجدونهم متذمرين من واقع بعينه في المستشفى، أو مكان المراجعة الطبية، فيكون رده لهم:
انتو براكم شايفين الحال في المستشفى، وبلاشك تعرفوا اني ماعندي يد في ذلك، ونسأل الله الشفاء لوالدكم ووالدنا/ابنكم وابننا، بالله عليكم هل سيستمر أيما مرافق لمريض في غلواء غضبه؟
ولان حدثت وفاة أو – حتي- تشكك من المرافقين في وجود خطأ طبي، فإن الرد بحكمة من الطبيب يسهم في معالجة اي ردة فعل غير سليمة.
الخلاصة:
الذي أخشاه أن يتسبب هذا القانون في استفحال الأمر الذي لأجله تم استصداره، وأخشى حقا أن يصبح أداة في يد (بعض) الأطباء فيستغلونه أسوأ استغلال.
اللهم احفظ بلادنا وأهلنا من كل سوء.
[email protected]