سوداني نت:
خيار رفع الدعم مجرد إعادة إنتاج لخيارات قديمة بائسة لم يتعافى الاقتصاد السوداني إثرها حيث لم يفتح الفكر الإقتصادي بعد للطواقم الاقتصادية السودانية منذ الإستقلال كوة للإبداع غير مناوراتهم الفقيرة في الهامش الفكري للحقل الإقتصادي والذي يثبت بالأدلة حالة الضعف الأكاديمي مصحوباً بأنيميا حادة تعكس وضع اقتصادهم اليوم. . عموماً ينبثق الطاقم الإقتصادي اليوم من رحم تاريخ إقتصادي سوداني لم يؤسس أفكارا يمكن أن نصفه بها بإعتبار أن هناك تيار إقتصادي قد أسس فكراً خاصا علمياً يعمل أو قد عمل في السودان سواء كان من النواحي المؤسساتية التي تنشأ نتيجة التكييف مابين المؤسسات والقيم العالمية وتنشئة القيم والمؤسسات المحلية. .هذه المهمة العصية هي التي فشل فيها بإمتياز كل الطواقم الإقتصادية المحلية بما فيها الطاقم الإقتصادي الذي يقوده الوزير الحالي البدوي. .وحيث النمو الاقتصادي عبر الدول قصص نجاحه تختلف من بريطانيا مرورا بألمانيا واليابان وتجاوزا الاقتصاديات الناشئة وحتى اقتصاد التنين الصاعد بقوة لتسنم القمة الإقتصادية على مستوى الوحدات الدولية السياسية. .نجد أن مجموع مساهمات هذه الطواقم المحلية الإقتصادية صفرية بإمتياز حيث المؤسسات والسياسات أشبه بالسافنا الفقيرة وبرغم ضعف المناهج الإقتصادية في المؤسسات الأكاديمية الوطنية إلا إن الاستجارة الأخيرة بطواقم إقتصادية معلبة من الخارج أثبت أن عملية التحصيل الأكاديمي الراقي في المؤسسات الدولية عبارة عن لحاء خارجي يتعرى في أول مهمة جدية لتأسيس إقتصاد دولة الاحرى به أن يعتمد على الذاتية التكييفية في إطار بنيته الاجتماعية بنسبة أكبر من التعليب النظري القادم من الخارج والذي يختلف من حيث الميراث الاجتماعي /الصراعي والبنية النفسية والموروث البيروقراطي الذي بالضرورة يختلف عننا. .ومن هذا الخط اختلفت عوامل النمو الإقتصادي وانفتح سؤال لماذا تنجح بعض الدول بينما تفشل الأخرى. . ربما جاز لنا أن نقول أن كل الأزمات مركبة من عوامل متعددة يساهم كل منها بنصيب بيد أن الفشل في الانتقال الإقتصادي في السودان هو مطلقاً بسبب ضعف نخبه الإقتصادية وقلة إدراكها الفكري لفكرة النمو التي تمثل قطب الرحى في أي إقتصاد يشهد له بالديناميكية و الذين يتسنمون المواقع الأمامية في المؤسسات السودانية وأخص وزارة المالية وبنك السودان وطواقمها الحالية تحديداً عند الحديث عن المؤسسات. .
كانت طريقة الثورة ومشهدها انعطاف فكري /سياسي ضخم لكنه تقزم اقتصاديا بصورة دراماتيكية في فكرة ضئيلة ميكروسكوبية تسمى رفع الدعم وهي كفكرة حتى في إطارها الفكري الاقتصادي في منشأها لم تكن يوماً حاكمة بأنها منقذ إقتصادي فاعل للأزمات التي تمر بها الاقتصاديات بل ظهرت ضمن حاشية الأفكار الأيديولوجية الفرعية لإظهار الإطار الهش الخارجي بينما نفس هذه الاقتصادات التي تصدر لنا خارطة الطريق تعمل وفق مناهج نظرية متعددة تتضمن رجوعا كليا من القطاع الخاص إلى منهج ماركس (الأزمة المالية2008) في إحكام سيطرة الدولة على اقتصادها إلى الكينزية التي تفضل العجز في الدولة عن العجز في القوة الشرائية لمواطن الدولة.
تتولد المخاطر السياسية من هذه القرارات بسبب تعلقها مباشرة بقضية الفقراء وتتصاعد الهواجس من نكوص حكومة حمدوك ووزير ماليتها البدوي عن التزامها في الوثيقة الدستورية بتحقيق البعد الإجتماعي للسياسات الإقتصادية وخلق ضمانات لمنع التهميش الإقتصادي والافقار حيث وبدلا من إقامة نموذج النمو الإقتصادي بعد عقود متطاولة من السنوات نجد الطاقم الإقتصادي الحالي يهيم على وجهه شطر المؤسسات الدولية التي لم تضع حجرا واحدا في أي تجربة نمو ناجحة على الإطلاق على المستوى العالمي بل بل كانت المسمار الذي يعيق الانتقال باوجهه الثلاثة الاقتصادي والإجتماعي والسياسي ومن هنا تأتي المفارقة الحقيقية بين شخصية الثورة وشخصية طاقمها الإقتصادي الذي يشبه العوامل الاقتصادية العارضة التي تتولد أثناء العملية الإقتصادية وتعمل على نحو عكسي مضاد للدورة الاقتصادية نفسها.
لاشك أن الطاقم الاقتصادي الحالي للثورة ومن خلال سياسات رفع الدعم واعتماده المفرط على مؤتمر المانحين يتجه اتجاه لا مفر منه بتضييق واسعا وذلك بتخليق مسار ليبرالي جديد في موجة ثانية بعد الموجة التوأم التي دشنها النظام السابق والتي كانت نهايتها في محيط الاعتصام التاريخي في القيادة مفتتحة لعهد جديد لكنه قديم حيث يعكس التاريخ اليوم نفس السياسات الإقتصادية النعل بالنعل حيث تكريس نمط الرأسمالية المتوحشة والتي دأبها تحميل الفقراء كلفة الأزمة الإقتصادية والقيام بدفعها وتسديدها كالمعتاد بالرغم من أن القطاع الخاص الذي يتسبب في الأزمة بإستمرار هو الفوهة المسؤولة الاولى بإمتياز عن التشوهات بحكم نشأته العشوائية وهي معادلة تشبه الإستبداد المدنى في جوهرها الأساسي بل طور من تحوراته الطفيلية في قاعدته التاريخية ليضيف وترا ثالثاً منظومة الإنتاج داخل المؤسسة العسكرية والتي تستكمل القاعدة التاريخية لنموذج النمو المشوه الطائفية مع بروقراطية الدولة وليس نموذج اقتصادي رسمي وجاد يعكس الفعل الثوري الجدير به.
الطاقم الإقتصادي الحالي الذي أعقب الثورة الديسمبرية وضع نفسه في مأزق ووقف أمام معضلة حقيقية لحد ينذر بالعجز التام عن الوفاء بالمطالب الإجتماعية المتصاعدة حيث استبق البدوي الهجوم عليه بتبرير سياسات رفع الدعم بوصفها تخدم الطبقات الأغنى في المجتمع حيث أن رفع الدعم عن الوقود يوفر للدولة 143 مليار موضحاً أن فائض الدعم المرفوع عن المحروقات سيتم استغلاله على الملفات الأكثر احتياجا الصحة والتعليم والحد الأدنى للأجور.
تشير الأدلة الرسمية إلى ارتفاع عجز الموازنة الحكومية بالتساوي مع إرتفاع نسبة التضخم 82%وهي نسبة تصنف في الوضع الشديد الخطورة تدفع بالضرورة بإتجاه إنهيار قيمة العملة المحلية وتجريف قوتها الشرائية في ظل تنامي انفلات جهاز الأسعار المستمر والذي كان يجب استهدافه بالسياسات قبل الشروع في هذه السياسات الكارثية.
وزارة البدوي ماكان لها من ناحية أكاديمية بحتة إتخاذ قرار كهذا دعك من الناحية السياسية /الإجتماعية من دون البدء بإصلاحات إقتصادية والتمهيد بمشروعات تنموية تعدل المنظومة الإقتصادية ولا تدفع نحو زيادة الأسعار فالقرارات منحازة لصالح مشاريع الأعمال ورجال الأعمال ضد الفقراء ولا سيما الطبقات الكادحة التي كانت تأمل في تحسين احوالها والتي تعتبر خزان الاستثمار وبالتالي خزان النمو المحموم. .وليس هناك من سياسة اقتصادية بائسة صدرت وتصدر الآن كمثل هذه السياسة لأنها لها آثار خطيرة على النمو الإقتصادي ويمكنكم تتبع أثر هذه السياسات على مستويات ونسب نمو الاقتصاد السوداني وسبب إضعاف حجم الإقتصاد الكلي والذي أثبتت المعادلات انه بسبب الأداء السيئ للطواقم الاقتصادية التي تضعف الطلب الكلي في المجتمع وبالتالي تراكم الأرباح في المشاريع وأخيراً تقزيم النمو. .هذه هي الأزمة الهيكلية التاريخية في الإقتصاد. .لمصلحة من؟ ..
موقف حزب الأمة كان لافتاً حيث أن قرار رفع الدعم كان متوقعاً ولا مفر منه فالاقتصاد السوداني في حاجة لمثله وهنا تكمن المشكلة في توقيته وطريقة إعلانه فقد خلى من الشفافية واعتراه التدليس ((القرار الذي لايحترم الشعب)).
ليس لدى الطاقم الاقتصادي الذي يديره البدوي إطار تنظيمي وضمن برنامج إقتصادي شامل وطويل الأجل للهندسة الاقتصادية وتدخلاته في السياسة الإقتصادية تعتبر ضئيلة جداً بحسابات النموذج الإقتصادي حيث المفترض يكون مهمته الأولى بدلاً من ذلك نجد أن كل السياسات الأخيرة التي قدمها طاقم البدوي تمثل 3%فقط من جملة السياسات التي يجب أن يتم الشروع فيها منذ تشكيل الحكومة الوزارية وهي أساسا ليس لها اي سند أو تأييد في الوسط الإقتصادي. .فسياسات رفع الدعم تعتبر من السياسات الكسولة ولا يلجأ إليها الاقتصاديين الحقيقيين كونها تقع ضمن هامش الفكر الإقتصادي العام ولا تعتبر ضمن العلم الإقتصادي الراسخ بل تقع في تخومه الهامشية ..الإطار التنظيمي للإقتصاد هو بلا منازع المهمة الأولى لبرنامج الثورة ولتعقيداتها السياسية والإجتماعية ولكن بسبب الفقر الأكاديمي الإقتصادي كثيراً مايهرب منها الاقتصاديين لأنها قضية إبداع والمشهور أن الطواقم الإقتصادية التاريخية في السودان التي ترتكز على الاستجلاب النظري العالمي للآن لم تستطع أن تبرز تكييف محلي يمكن من خلاله اجتراح نموذج للنمو وهي نفس المحطة التي يتهرب منها الطاقم الإقتصادي الحالي عندما تتم مواجهته اكاديميا بالكليات الإقتصادية فهو يغيب تماماً عنه إقامة العلائق السببية وتشريحها وهي المهمة الإقتصادية التي يجب على طاقم حمدوك الإقتصادي مواجهتها بدلاً من دخوله في معارك هلامية في التخوم البعيدة. .مايجب أن يوضع في مانفستو طاقم البدوي التعجيل بالإجراءات الإقتصادية التي تخص النمو الاقتصادي وليس سياسات رفع الدعم بل وقف هدره والاختلاف كبير بين المفهومين ومهمته ذات الأسبقية استبدال المنظومة القديمة غير الكفؤة التي تستخدم الطاقة بإسراف وتهدر الدعم وتتحمل الطبقتين الفقيرة والمتوسطة وحدهما فسادها وعدم كفاءتها والتي تفقد النظام الإقتصادي قدرته على خلق التوازن الضروري وتحقيق شيء من العدالة التوزيعية وتوسع فجوة التفاوت بين الأغنى والافقر وبالتالي غياب عمليات التغيير والتطوير التي تحد من الهدر والتي لم تحقق نجاحات ملموسة تشعر المواطن المستهدف بأثر الدعم. فالمحاولة الأخيرة لطاقم البدوي في مجال السياسات أشبه بوضع طن من الحمولة فوق ظهر نملة.