سوداني نت:
إنه أسمى المشاعر، وأصدق العواطف في وجدان كل الخلائق!
وهو رديف الرحمة، ورفيق النُبل، وصفيّ الهدوء والسكينة…
وإن كان لكل شئ بيئة ينمو ويزهر فيها؛ فبيئته جَمَال المحسوس والملموس.
والأسلام بواقعيته اعترف بالحب بكونه فطرة متأصلة في كيان الإنسان.
أقرأوا إن شئتم قول الله جل وعلا: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله}.
يقول عبدالله علوان في كتابه الأسلام والحب:
الحب شعور نفسي، واحساس قلبي، وانبعاث وجداني ينجذب به قلب المحب تجاه محبوبه بحماسة وعاطفة وبشر، والحب بهذا المعني يكون من المشاعر الفطرية المتأصلة في كيان الانسان، لا انفكاك منه ولا استغناء، وهو قابل في كثير من الأحيان لتحكم الأراده فيه إلى ما هو أسمى وأفضل.
انتهى قول الدكتور.
لقد خلق الله القلوب مهيأة للحب على اطلاقه، ثم وضع لنا منهجا ومراتب وأولويات لهذا الحب، وأبان لنا بأن الذي لايؤسس لهذه الأولويات والمراتب في قلبه؛ تائه وهالك لا محالة!
أقرأوا قول الخالق جل وعلا:
{قل ان كان اباؤكم وابناؤكم وأخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب اليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتي ياتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين} التوبة 24
إن حب الله الخالق هو أعلى مراتب الحُب.
وحب الله تعالى هو حب الطاعة والانقياد لكل ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، التزاما بالمنهج وسيرا على رضاه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به) رواه الطبراني والبيهقي.
ويقول الله تعالى {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله} البقرة 165
فلا يستقيم الحب مع المعصية…
تقول رابعة العدوية:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيعٌ
ويقترن حب الله بحب رسولنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله، اذ طلب الله تعالى من نبيه أن يقول للمؤمنين {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} آل عمران31
فحبّ الله ورسوله واجب، وكذلك ما يندرج تحت ذلك من الحبّ في الله ولله، ومن أعظم أنواع الحب من بعد ذلك هو الحب في الله، أي أن يحب الإنسان سواه لكونه امرء صالح و مؤمن، دون أن يكون السبب في في حبه منفعة دنيوية، ولا شهوة، فمن أسس الحب في نفسه على هذه القواعد وجد حلاوة الأيمان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجد بهنَّ حلاوةَ الإيمان أن يكون الله ورسوله أحـبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحبَ المرءَ لا يُحبُه إلا لله، وأن يكره أن يعودَ في الكفر بعد إذ أنقذَهُ الله منه كما يكـره أن يقذَف في النار”.
ثم يأتي من بعد ذلك ما يكون بمقتضى الطبيعة والجبلة كحبّ الوالدين والزوجة والأولاد والعشيرة والوطن ونحو ذلك، وهذا النوع له حدّ متى ما تجاوزه كان محرّماً!…
ومثال ذلك قول الشاعر أحمد شوقي مخاطباً وطنه:
ويا وطني لقيتك بعد يـأس كأني قد لقيت بك الشبابا
أدير إليك قبل البيت وجهي إذا فهت الشهادة والمتابا
فالشاعر هنا قد جعل من الوطن قبلته الأولى التي يدير إليها وجهه!.
ومن الشعراء من سجد لحبيبته عندما لم يؤسس لمراتب الحب في قلبه!…
والحب يمهد الطريق للأيمان، والأيمان بدوره يقود الى الجنة،
روى مسلم عن أبي هريرةَ قال: قال رسول الله “و الذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابّوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم”.
ولعلي اختم ب(خصوصية) للحب بين الزوجين وابتدر ذلك بسؤال:
ياترى أيهما الأضمن لحياة زوجية سعيدة، أهو الحب أم الوفاء؟!
وهل يجب ان احب التي سأتزوجها قبل الزواج، ام سيأتي الخب – تلقائيا- بعد الزواج؟
في البدء دعونا نعرّف الأمرين:
ماهو الحب؟
وماهو الوفاء؟
الوفاء؛ هو حالة من الالتزام (الواعي) بالعلاقة الزوجية.
والحب؛ هو حالة من الالتزام (اللاوعي) بالعلاقة الزوجية.
فالوفاء طالما كان مندرجا تحت إطار الوعي، فانه يناط بالرجل الإلتزام به لكونه في المقدر، وهو بذلك يصبح واجبا من الزوج تجاه الزوجة قبل أن يكون التزاما دينيا وأخلاقيا يُحاسب عليه أمام ربه ثم ضميره والناس.
والوفاء أحسبه أنضج وأدعى لتمتين العلائق داخل البيوت بأكثر من الحب.
لكن إن قُدِّر وانداح الحب؛ فإن العلاقة الزوجية ستزداد فضاءاتها رحابة بما يضفيه الحب من ألق الصفاء وأزاهير الإيثار بينهما، فكم من بيوت لم يكن الحب قاسما مشتركا فيها قد انداحت فيها المودة والتفاهم كنتاج للوفاء، مما هيأ لسفينة الحياة ابحارا مريحا إلى مرساها بسلام.
وزخم الحياة بما يكتنفها من تفاصيل تربية الأبناء وهموم العمل والتفاعل مع أهل الزوج وأهل الزوجة، أراه كفيل بسد الفراغ الذي كان ينبغي للحب أن يشغله، ثم إن شحنات العاطفة لها من ملموسات الجسد ما يؤدي إلى تفريغها لإعادة النفس إلى توازنها وهدأتها، لذلك فقد يصبح الوفاء نفسه مرحلة من مراحل الحب وتقبّل الآخر، حيث يتسنى للرجل الوصول فيه (بوعيه) إلى درجة قصوى من الإشباع والإرضاء الذي لاتحس بعده الزوجة بالحوجة إلى سمت مشاعر أخرى!.
وحياة مثل هذه تقوم على وفاء وإحترام وتقدير للآخر؛ أجدها بمرور الأيام والسنين قادرة على إذكاء حب حقيقي وعشق بين الزوجين.
ولكن وبرغم كل ذلك فان المعرفة القبلية -وليس الحب- لها دورها الأكيد في تفادي الكثير من مفاجآت ال(الأمر الواقع)، خاصة إذا انتفى التداخل من قبل على عمومه بين الخطيبين.
اللهم لاتجعل الدنيا أكبر همنا
ولا مبلغ علمنا، وأشرِب يارب قلوبنا بحبك وحب نبيك وحب من تحب،
إنك ياربنا وليّ ذلك والقادر عليه
[email protected]