سوداني نت:
كل الثورات والانتفاضات وحركات التغيير الناجحة هي تلك التي قادها المبدئيون الواقعيون وسوقوها باعتبار أنها وسيلة لا غاية ومنهج عمل لا وصفة سحرية. وفشلت كل حركات التغيير التي قادها المثاليون الحالمون الذين سوقوها باعتبار أنها غاية لا وسيلة، وأدخلوا الجماهير في فانتازيا غائمة من الشعارات والأهازيج والإدعاءات الزائفة التي أودت بالجميع إلى قبض الريح وامتلاك الخواء.
وهي ذات الحالة التي يعيشها السودان والسودانيون وقد انتظموا صفوفا صفوفا للوقود والخبز والغاز والكساء والدواء والشفاء والسلام المستحيل، وكانت آخر الصفوف ذلك المفضي للأسف لعيادة بعشر بالصحة النفسية إن أبقى الحجر الصحي في جبرة وأخواتها أحياءً لا يرزقون.
ويقول الطبيب المداويا بأننا تمرحلنا بثلاثة أنواع من الجذب والاضطراب:
أولاً: حالة الفصام الذي عايشنا هياجه في أبريل وكانت الصدمة غير متوقعة جعلتنا رغم سلبياتها نستفيق على الصدود الأوروبي الأمريكي الذي رفض في صلف رفع اسمنا من قائمة الارهاب، واعادتنا إلى المنظومة الاقتصادية وتطبيع علاقتنا مع المجتمع الدولي، فاصبحت الصدمة حائط المبكى للقيادات (المتعددة الجنسيات) التي استخدمناها لحل ضائقتنا واعتقدنا أنهم مبعوثي العناية الإلهية.
لهف نفسي كم عصف البؤس باطفال صغارِ
وردوا (المولد)بالشوق وعادوا بالغبارِ
حسبوها لو أرادوا النجم جاءت بالدراري
وآن لنا أن نعترف يا صاحب الشرافة والهجرة أن حظنا من الدراري هذا العسف وتلك الطواري.
ثانياً: حالة الاحباط التي بلغت مداها حين اكتشف الشعب أن هذه الحكومة العاطلة الجيد من عقد المواهب، قد فشلت في تقديم برنامج قومي واحد لحل ضائقة الشباب اليائس والعاطل والمحبط.
وكانت غاية الحلول المؤسفة أن حولتهم إلى عمالة رخيصة لحراسة الخبز، والوقود، ومطاردة الصفوف، مع عجزها الكامل في الاقتصاد الاستراتيجي وحتى التكتيكي الساذج في سبل كسب العيش مع انهيار كامل للمنظومة الصحية وتأجيل مخل للمنظومة التعليمية. ويكفيها خسرانا أنها لم تضع بعد مضي عام كامل حجر أساس واحد غير حجر سوق عكاظ للكلاموجيا والسفسطة والمزاعم التي ما قتلت ذبابة.
ثالثاً: الحالة الذهانية وهي الأخطر في مراحل الاضطراب والتي يظن فيها الضحية أن مسلكه صحيح رغم غرائبيتها وفي هذه الحالة تكون الضحية خارج الذات وخارج الموضوع رغم شكلانية المظهر والتعبير.
ومن اللطائف المماثلة للحالة ما حكاه صاحب المستطرف السوداني بأن بحارتهم بقالة عامرة يملكها ود الفكي أمامها شجرة نيم باسقة وظليلة اغرته باقامة (سبيل) من أربعة أزيار حمراء بارد ماءها تسر الشاربين. وكان له جار نقابي قحاتي غاضب ضربه احباط المرحلة وتملكه الداء الذهاني، وكان يأتي يومياً في تمام الرابعة عصراً ويفرغ ماء السبيل في الأرض ويترك الأزيار فارغة ما تأخر عن عادته السالبة هذه يوماً. وكان ود الفكي يراقيه بابتسامة ذات مغزى مستطبنا (المجنون في ذمة العاقل)
وفي أحد الأيام حضر صاحبنا الثائر المحبط فى تمام العاشرة صباحا وظل يفرغ الأزيار على غير عادته، فصاح في وجهه ود الفكي ساخراً مالك يا الرفيق الليلة مبدر ؟
فأجابه الرفيق الثائر بلغة صارمة وهو عاكف على إنجازه السالب (الليلة عندي مشوار العصر )
وضج الحضور في موال من الضحك الذي يفيد التطهر والشفقة.
وهذه عزيزي القارئ حالة تستوجب (كهربة التجاني الماحي أو قيد الشكينيبة ) .