عادل عسوم يكتب: خواطر رمضانية (الخاطرة الثامنة عشر) (يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف) 30/18
سوداني نت:
إنه لوصف إلهي عجيب لنبلاء من الناس!
هذه الآية الكريمة الواصفة لهم ماكان لنا ان نمرّ عليها دون وقوف متمهّل وسبر لغور لهذا السمة الرائعة!
إنّهم أناس يعيشون بيننا، أناس موصولون بحبل الله المتين، ولايمدون يد ذلّ لمخلوق وإن وصل الحال بهم إلى الهلاك مسغبة!.
ياترى لماذا كل ذلك؟!
إنّه يقين ترسخ فيهم بأن كل شئ بيد الله وحده لاشريك له، فهو جل في علاه الضار والنافع، والممسك والمعطي، والحليم الكريم، والرحمن الرحيم، لذلك لا يجعلون افتقارهم إلاّ إليه جل في علاه.
اعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) البقرة 273
بالله عليكم تمعّنوا في هذا الوصف الباذخ الوضئ:
{يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} و {تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس الحافا} !
الله الله
ايّ عزة، وأيّ كرامة، وأيّ شموخ!
يجهد المرء منهم كي يظل رابط الجأش، يخفي أدمع الوجع خلف ابتسامة يودها صدقة في وجه من يلقاه، فيحسبه غنيّا؛ إلاّ من سيماء لا تخطئها العين الفاحصة، اذ للجوع والمسغبة سيماء لاتملك النفس البشرية لها دفعا عن المحيا، وعن الأعين إن نظرت، والشفاه عندما تنطق!…
ليتنا نتلمّس حال جيراننا يااحباب، فوالله لايكتمل إيمان من يبيت شَبِعا وجاره جائع…
إنه خطاب الينا من الله المتعال، ليس ل(أهل صفّة) بعينهم، إنما لفقراء كُثُرٌ بيننا نحسبهم بجهلنا أغنياء، وماذاك إلاّ لكونهم لا يسألوننا إلحافا!…
هاكم خواطر الشيخ الشعراوي رحمه الله، فقد اجاد كما العهد به:
وحين يقول الله سبحانه في وصف الذين أحصروا في سبيل الله فلا يستطيعون الضرب في الأرض “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف” أي يظنهم الجاهل بأحوالهم أنهم أغنياء، وسبب هذا الظن هو تركهم للمسألة، وإذا كان التعفف هو ترك المسألة فالله يقول بعدها: “تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا” والسمة هي العلامة المميزة التي تدل على حال صاحبها، فكأنك ستجد فيهم خشوعاً وانكساراً ورثاثة هيئة وإن لم يسألوا أو يطلبوا، ولكنك تعرفهم من حالتهم التي تستحق الإنفاق عليهم، وإذا كان التعفف هو ترك المسألة فالله يقول بعدها: “لا يسألون الناس إلحافا” فكأنه أباح مجرد السؤال ولكنه نهى عن الإلحاح والإلحاف فيه، ولو أنهم سألوا مجرد سؤال بلا إلحاف ولا إلحاح أما كان هذا دليلا على أنهم ليسوا أغنياء؟ نعم، لكنه قال: “يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف” إذن فليس هناك سؤال، لا سؤال على إطلاقه، ومن باب أولى لا إلحاف في السؤال؛ بدليل أن الحق يقول: “تعرفهم بسيماهم”، ولو أنهم سألوا لكنا قد عرفناهم بسؤالهم، إذن فالآية تدلنا على أن المنفي هو مطلق السؤال، وأما كلمة “الإلحاف” فجاءت لمعنى من المعاني التي يقصد إليها أسلوب الإعجازي، ما هو؟
“إن “السيما” ـ كما قلنا ـ هي العلامة المميزة التي تدل على حال صاحبها، فكأنك ستجد خشوعاً وانكساراً ورثاثة هيئة وإن لم يسألوا أي أنت تعرفهم من حالتهم البائسة، فإذا ما سأل السائل بعد ذلك اعتبر سؤاله إلحاحاً؛ لأن حاله تدل على الحاجة، ومادامت حالته تدل على الحاجة فكان يجب أن يجد من يكفيه السؤال، فإذا ما سأل مجرد سؤاله فكأنه ألحف في المسألة وألح عليها.
وأيضا يريد الحق من المؤمن أن تكون له فراسة نافذة في أخيه بحيث يتبين أحواله بالنظرة إليه ولا يدعه يسأل، لأنك لو عرفت بـ:السيما” فأنت ذكي، أنت فطن، أنا لو لم تعرف بـ”السيما” وتنتظر إلى أن يقول لك ويسألك، إذن فعندك تقصير في فطنة النظر، فهو سبحانه وتعالى يريد من المؤمن أن يكون فطن النظر بحيث يستطيع أن يتفرس في وجه إخوانه المؤمنين ليرى من عليه هم الحاجة ومن عنده خواطر العوز، فإذا ما عرف ذلك يكون عنده فطانة إيمانية.
ولنا العبرة في تلك الواقعة، فقد دق أحدهم الباب على أحد العارفين فخرج ثم دخل وخرج ومعه شيء، فأعطاه الطارق ثم عاد باكياً فقالت له امرأته: ما يبكيك؟. قال: إن فلاناً طرق بابي. قالت: وقد أعطيته فما الذي أبكاك؟. قال: لأني تركته إلى أن يسألني. إن العارف بالله بكى؛ لأنه أحس بمسئولية ما كان يجب عليه أن يعرفه بفراسته، وأن يتعرف على أخبار إخوانه . ولذلك شرع الله اجتماعات الجمعة حتى يتفقد الإنسان كل أخ من إخوانه، ما الذي أقعده: أحاجة أم مرض؟ أحدث أم مصيبة؟ وحتى لا يحوجه إلى أن يذل ويسأل، وحين يفعل ذلك يكون له فطنة الإيمان.