سوداني نت:
١. خلق الله تعالى الأقطار غابة من جنس واحد، وخلق السودان حديقة مثمرة وألوان شتى من الأزاهير. وانتظر العالم الحصاد فمنحناه الرماد، وخسرنا معركة (فتعاركوا) وقدمنا الدليل بمقاتلة الدينكا المسيرية في الجنوب، وقاتل الرزيقات الفلاتة في الغرب، وقاتل البني عامر النوبة في الشرق، وقاتلت في الوسط الكنابي القرى، وقاتل النقرز قلب الخرطوم وأطرافها، وحرق المتفلتون في النيل الأزرق وسنار الأمان الاقتصادي، وأهدر الغاضبون في الشمال الاستثمار، وزرع الطابور الخامس البغضاء بين العسكريين والمدنيين ودخلنا مجتمع الكراهية اختيارا.
٢. منحنا الله عز وجل الأرض الخصيبة والماء والسواعد والمناخات، وانتظر منا العالم أن نملأ سلاله بالفاكهة والعسل واللبن واللحوم. فإذا بنا نفاجئه باليد السفلى، والوقوف المهين في صف الإغاثة .
٣. وأهدانا الخالق العظيم غير الأرض الخصيب والمساحات الخضراء وسهول الغلال باطنا يصطرع فيه النفط والذهب والحديد واليورانيوم. وما لا يخطر على بال بشر ما يفوق الألزاس واللورين، وكان الحصاد أن انتظمت في كل الموانئ والمطارات عصابات التهريب التي نهبت ثروة الحاضر والمستقبل، واهدتنا عملة نخشى أن نحملها قريبا جرابا من الورق لنبادله بقطعة خبز.
٤. منحنا الله الرزاق الرحيم حضارات نافست الأخريات وتاريخا عريقا، وبطولات لم تشرف الحواضر فقط بل شرفت كل قرية سودانية فاضعناها بالتجاهل، وقلة التدبر والاعتبار. ومنحنا القدر الثورات فاضعناها بشح النفس والنزوات، ومنحنا الانقلابات الوطنية فاضعناها بالخصومة والنزاعات، ومنحنا الديمقراطية والحريات فاضعناها بالمحاصصة والثارات، فكانت المحصلة لا أرضا قطعنا ولا ظهرا ابقينا، وعدنا القهقرى بالوفاض الخالي من البرامج والمبدئيات والدستور.
أمة بلا ثوابت وشعب بلا استشراف، وقديما يقول التاريخ: إن الخديوي محمد توفيق طلب عام 1882 من الادارة الانجليزية بأن تساعده في حفظ الأمن، وترتيب الحياة المدنية، وفرض السلام وصياغة القوانيين والدستور، وترتيب الجهادية والحقانية (الدفاع والعدل) فاستجابت بريطانيا فورا عبر وثيقة الدول العظمى في الأستانة. وهزم الكمندان كارنت ولسلي قوات الوطنيين وحُكم بالإعدام على عرابي ونُفي ترفقا. ودخلت الخيل الأزهر عبر طلب التدخل الوضيع، وما أشبه الليلة بالبارحة فحالة السودان اليوم تمثل النموذج الأوفى لقابلية الاستعمار. وقد تقدم توفيق باشا السوداني بطلبه الملغوم منذ يناير وهو الآن قيد الموافقة بمجلس الأمن، وتجهز القوة الضاربة مدنيا وعسكريا لتنفيذ المهمة القذرة. الفارق الوحيد بين طلب الخديوي وحمدوك أن القائد الإنجليزي السفير صديق عرفان هو الآن في قلب الخرطوم وليس على أعتابها. كان عنوان البيان الأول “ودخلت المجنزرات بيت الخليفة”