«اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض»
> .. والصورة الآن هي صورة المواطن السوداني وهو يقف أمام حوش الحكومة.. يحمل لافتة مكتوبة بالأحمر تقول «أن أجوع وأنا أعرف لماذا .. شيء يعني أنني أجوع بارادتي.. وأن أجوع وأنا لا أعرف لماذا.. شيء يعني أنني أجوع بارادتك أنت»
> والدولة تنظر من فوق السور.. صامتة.
> .. صامتة لأنها لا هي تستطيع من هنا أن تقول.. ولا هي تستطيع من هناك أن تسكت
> والأعمال السينمائية الجيدة تنجح لأنها توجز الكثير في مشهد صغير
> ومشهد ممتاز في فيلم «الجندي رايان».. وفي المشهد معركة مجنونة داخل مدينة.. وأب يحمل طفلته ذات السنوات الخمس ويجرى بها مجنوناً تحت القصف.. والطفلة المفزوعة تلطم وجه الأب.. وتلطم وتلطم.
> والسودان مشهده اليوم هو حريق من حوله يقترب.. واختناق تحت الصهد والدولة تحمل الناس وتجري.. والمواطن يلطم ويلطم
> والدولة بالحمل هذا ترتكب الخطأ الأول.. والذي يجر الأخطاء
> ومشهد آخر في العمل السينمائي ذاته
> مشهد المرأة الارستقراطية التي لا تفهم أن الدنيا تتحول
> وفي المشهد المرأة تلك .. تحت زينة كاملة.. تقف أمام بيتها وتطلب من الخادمة إحضار عربة تاكسي.. وتسخط لإهمال الدولة الإشراف على عربات التاكسي
> وفي السودان أحزاب ومواطنون يقفون تحت القصف يطلبون عربات تاكسي.. ويسخطون من إهمال الدولة.. بينما المدينة ركام مشتعل
«2»
> والحريق الآن حول السودان وحريق ليبيا ومصر والعراق وغيرها» حريق ما يصل منه هو الصهد .. واللهب يقترب
> ويقترب بخطة مدروسة
> والدولة تجري هاربة.. بخطة مدروسة
> و«مدروسة» كلمة لا تعني أنها «صحيحة»
«3»
> والرابع من رمضان يوم انشقاق الإسلاميين قبل أعوام تمر ذكراه هذا العام.. صامتة.. دون كلمة. ولا كلمة واحدة
> والثلاثين من يونيو.. يوم الإنقاذ الذي تحتفل به كل عام.. يمر هذا العام صامتاً..
> ولا كلمة واحدة
> والصمت هذا .. هنا وهنا.. يصبح «كفا» ترفع مفتوحة.. مثل شرطة المرور تقول لشيء معين «قف»
> والشيء المعين هو «التراجع» الذي تنطلق فيه الدولة منذ خمسة عشر عاماً
«4»
> وأحداث كلها في «سبحة» واحدة تكر منذ خمسة عشر عاماً تذهب كلها في اتجاه واحد
> .. وشيء ما يجعل كل شيء ينتمي للحركة الإسلامية.. يخبو .. بهدوء.. متدرج…. والناس تبحث عن تفسير لما يجري.. ولا تجد إلا القليل
> وكلمة «كأنما» عندها تصبح هي ما يقود كل تفسير
> وكأنما شيء مصنوع يجعل رمز الحركة الاسلامية.. عند العالم.. الترابي.. يذهب
> وكأنما اتفاقاً سرياً يجعل العسكريين في الإنقاذ يذهبون ويبقى ثلاثة «البشير وبكري وعبد الرحيم»
> وكأنما.. اتفاق سري يذهب بقيادات الإسلاميين الكبار في الدولة «علي عثمان والجاز وأسامة و.. و…»
> وكأنما اتفاق سري يجعل انتخاب الأمين العام للحركة الإسلامية العام الأسبق يبعد كل القيادات الإسلامية البارزة ويأتي بالزبير.. المسالم الساكت
> وكأن مشروعاً سرياً للتخلص من كل الإسلاميين في شرايين الدولة يجعل موجة من فصل الإسلاميين في الخدمة العامة تنطلق.
> وكأن اتفاقاً سرياً يجعل موجة من الطرف الآخر تحل محلهم وإلى درجة تجعل بعض الوزارات قطاعاً خاصاً لقبيلة هنا.. أو هناك
> ومثير للسخرية أن «التمكين» يكتمل .. لكن للطرف المقابل
«5»
> وكأنما مرحلة أخرى تبدأ
> والدولة وبدلاً من مشاريع أخرى في حجم سد مروي ومصانع السكر وغيرها تصبح شيئاً حين تذهب لافتتاح مصانع السكر تجد شيئاً غريباً يمنع الافتتاح
> ثم تجد شيئاً مثل ما يجري في كنانة أخيراً يكاد يلغي المصنع والمصانع القادمة
> ومشروع مروي الذي يصمم بحيث يصدر الكهرباء يحدث فيه ما يجعل السودان يعود إلى أغنية «املوا الباغات.. هسي بتقطع»
> وكأن مصادفة غريبة تجعل هذا كله ينطلق بعد الطبعة الجديدة من «التمكين»
> و…
«6»
> شيء يحدث إذن
> لكن
> الدولة التي تنقذ السودان من الإنهيار الكامل عام 1989 وإلى درجة تجعل الحكومة الجديدة تكتسب اسمها هذا «الإنقاذ».. الدولة هذه ليست شيئاً يتحول ليشنق نفسه.. دون سبب
> شيء يحدث إذن
> شيء مثل القصف المدفعي المجنون
> والدولة تجتهد للهروب من تحت القصف
> والمواطن عقله وروحه وبطنه كلها يشعر بأن شيئاً يجري هنا وأن إجابة له تحدث من هنا
> ومفهوم.. وطبيعي فالعالم يغلي
> لكن لافتة المواطن أمام حوش الحكومة تقول إن الأعمى لا يقاتل
> ولعل الدولة التي تحمل المواطن وتجري به تعيد مشاهد «فيلم «الجندي رايان» لتجد أن الرجل الذي يجري بطفلته يقتلها ويموت معها لأنه يجري في الاتجاه الخاطئ.
> هذه مقدمات حديث