سوداني نت
استمعت إلى الصحفي المصري مجدي شندي في فضائية الجزيرة قبل قليل، وذلك في ثنايا لقاء ضمن نشرة الساعة التاسعة بتوقيت مكة المكرمة، وفي معيته صحفي اثيوبي ومسؤلة امريكية، مستضافون لنقاش مآلات جلسة المباحثات الخاصة بسد النهضة في واشنطن، والتي اعتذرت عنها اثيوبيا بمبرر اكمال مشاورات الحكومة الاثيوبية مع المكونات الشعبية هناك، ومجدي شندي معلوم عنه أنه أقرب لأن يكون المتحدث الرسمي بلسان الحكومة المصرية، وبالتالي فإن المعلومة الحكومية لديه دوما حاضرة، الخلاصة التي أجمع عليها المتحدثون أن الحكومة السودانية هي من تقدمت بالاقتراح (الأساس) الذي بنت عليه وزارة الخزانة والخارجية الامريكية رؤيتها للحل، وعماده أن يكون نصيب مصر من مياه النيل الازرق 37.5 مليار متر مكعب، وبالطبع فقد كان مفاوضوا الحكومة المصرية يطالبون ب40 مليار متر مكعب، والمطالبة كما يعلم القاصي والداني مذيلة بتعليق إعلامي بأن -حتى- هذه الأربعون لا ولن تكفي مصر.
ياسيدي الوزير:
لإن قبلت الحكومة السودانية بالأربعين كما يرغب المفاوص المصري، ام أُنقِصَ منها ملياران ونصف أو فلنقل خمس؛ فذاك يعني أن وطنك لن يكون مسموحا له -وإلى الأبد- أن يفيد من متر مكعب واحد من هذه الكمية.
سؤالي لك ياسيدي الوزير الدكتور ياسر عباس:
كم مليار متر مكعب يُسهم النيل الأزرق؟!
سأجيبك وانت من أيقن علمه بذلك:
تفيد القياسات خلال العشرين سنة الماضية بأن إسهام النيل الأزرق لم يتعدَّ ال50 مليارا، وهذه الكمية لم تسجل طوال العقدين الماضيين (سوى مرة واحدة)، بينما الكمية الفعلية عادة لاتتعدى ال40 مليارا، وذاك ما علمه وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق الدكتور محمد نصر علام، وللعلم فإنه أول من حدد رقم ال 40 مليار متر مكعب كرقم تريده مصر، وهو كذلك أول من حدد أن لا يقل منسوب المياه أمام السد العالي عن 165 مترا.
سؤال ثان يا أخي الوزير:
كم تبقى من إيراد لبقية روافد نهر النيل من المياه للسودان؟!
المعلوم (يقينا) أن إسهام النيل الأزرق يفوق نسبة ال80% من ايراد نهر النيل إجمالا، فكم تبقى للسودان من حصته ال(ضيزى) أصلا؟، والتي (وُهِبَت) لحكوماتنا من قبل من قِبَلِ المفاوض المصري والرئيس عبدالناصر؟!
إنها 18.5مليار متر مكعب (فقط)، وهذه بدورها منقوصة، بعد أن وافقت حكومة عبود على خصم 5 مليار متر مكعب منها، بحسبانها نصف كمية بُخر المياه من سطح بحيرة السد العالي!(وهو أمرمدهش ومضحك)، وليت الأمر اقتصر على ذلك؟ فقد وافقت ذات حكومة عبود على سلفة مائية لم تظل تذهب إلى بحيرة السد العالي، علما بأن (كل) خزاناتنا المنشأة على مجرى نهر النيل وروافده عندنا لم تُنشأ في الأصل كسدود دائمة التخزين!
قل لي بربك يا سعادة الوزير: أَ عندما يكرمنا الله بسد تبنيه إثيوبيا يضمن للسودان الإفادة من نصيبه -على قلته- نُرْزَأ بحكومة ترفض ذلك بهذه الحاتمية المدهشة والاستسهال العجيب بقضايانا المصيرية؟!
والله الذي لا إله إلا هو؛ لإن كان الأمر مرتهنا بسُقيا شعب شقيق جار نأيا به عن عطش ومسغبة؛ لما تردد شعب السودان قاطبة من التنازل لهم بما يكفيهم، لكن أن يكون التنازل عن حق لنا ليستخدمه الآخرون لل(زراعة)، ثم نبتاع منهم ماينتجون -وأرضنا التي يحدونا العشم بأن تكون سلة لغذاء العالم تتمد أمام ناظرينا بورا وبلقعا- ذاك لعمري مايؤلم ويدعو للأسى!
لقد كان الأولى بك ياسيادة الوزير وانت المتخصص في هذا المجال أن تسهم في ابتدار نقاش حول مظلمة السودان في ال18.5 مليارا، وهي ما بالطبع مايقارب ثلث نصيب مصر؛ بدلا عن التنازل من حكوتنا بال11 مليار التي تبقت للسودان من بعد التنازلات السابقة!
ولقد استمعت اليك وانت تقول بأن السودان (لن يستطيع إقامة سدود جديدة على مجري النيل)، ذاك بلا جدال يعني -بجلاء- انتفاء العزم (وإلى الأبد) شق ترعتي سد مروي، والتي يعيش أهلك في الولاية الشمالية على أمل تحقق حلم حِمِّيد رحمه الله وقد قال:
ﻳﻐﻨﻮﻟﻚ ﻏﻨﺎﻭﻱ ﺍﻟﺴﺎﺏ
ﻭﻓﻲ ﺑﻴﻮﺿﺔ ﻣﺎﻓﻲ ﺳﺮﺍﺏ
ﺟﺒﺎﻝ ﻛﺠبي ﻭﻓﻴﺎﻓﻲ ﺍﻟﻐﺎﺏ
ﺗﻤﻴﺪ ﺑﺎﻟﺨﻀﺮﺓ ﻣﻨﻘﺴﻤﻲ
ﻓﻴﺎﻓﻲ ﺍﻟﺼﻲ ﻭﺑﻴﻮﺿﺔ ﺍﻟﺒﺮﺍﺳﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻔﺮﻭﺿﺔ
ﺧﺪﺍﺭﺍ ﻳﺮﺍﺭﻱ ﺷﻮﻑ ﻋﻴﻨﻲ
ﻋﻠﻲ ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ
ﻗﻤﺎﺭﻳﻬﺎ ﻃﻮﺍﺭﻳﻬﺎ
ﻭﺣﻮﺍﺭﻳﻬﺎ ﺑﻘﺖ ﺭﻭﺿﺔ
ﺑﻘﺖ ﺗﺸﺮﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺎﻣﺪﺍﺏ
ﺗﺸﻮﻓﻲ ﺭﻫﺎﺏ ﺑﻌﺪ ﻧﺠﻤﻲ
ﻭﺍﺷﻮﻓﻮ ﻗﺮﻳﺐ ﻗﺮﺏ ﻧﻀمي.
ياسيدي الوزير:
أقولها بملء فِيّ، وأبرأ بها إلى الله، ثم إلى وطني:
ان أي تنازل عن متر مكعب واحد من نصيب السودان -وإن كان بمبرر تنازلات متبادلة مع مصر- سيكون وبالا على السودان وخيانة عظمى من هذه الحكومة.
ياسيدي الوزير:
لإن كنت ممن يقبلون النصح من زميل دراسة لك في مدرسة سنار الثانوية؛ أدعوك -من قلبٍ مُحب- أن تتقدم باستقالتك الآن، وقبل أن تقع الفأس في الرأس، طالما ليس في الوسع ولا القدرة ولا الرغبة أن تصدع بقول الحق لأجل وطنك، فهذه لعمري خيانة وطنية ستطالك إلى يوم يبعث أهل السودان، ولن تفيدك (قوى حرية) ولا (تجمع مهنيين).
اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.