سوداني نت
من العادات الودودة للوردية الصباحية بقناة أمدرمان الفضائية الفطور الجماعي الذي يتقاسم الناس فيه اللقمة والطرفة والتواصل الانساني الحميم. وكان لكل واحدٍ من العاملين دور أحدهم تخصص في السلطة، وأحدهم تخصص في الفول (الأصل) وآخر في الفلافل، وآخر تفرغ بمزاج الشطة والسولس وزيت السمسم (الولد). وهنالك كبيرهم الذي علمهم السحر حيث يقوم بالخلطة السحرية. أما المخرج الشهير فقد استغل صداقته التاريخية مع صاحب المخبز المجاور الذي كان يمنحه ٥٠ قطعة خبز كاملة القوام ذات لمعة ذهبية وقرمشة تسر العين واللسان.
وبالأمس افتقدوا الوجبة والأنس والاجتماع ودخلوا في زمرة المعذبين في الأرض وما أقسى شتاء السودان بلا فكة ريق. فقد أعادوا إرجاع نقود الاشتراك اليومي حيث تأبى الخبز وأصبحت النقود عاجزة تماماً من الإيفاء بتفاصيل وجبة عابرة، في أرض لم تبخل السماء عليها بالخصب ولا الماء ولا الشباب.
وكانت الوجبة حينما تصل حدها الأقصى من الهناءة يدخل عليّ كبيرهم المكتب وفي يده سندوتش مفاض بما لذ وطاب قائلا: بالله يا أستاذ الخلطة دي مش تستاهل براءة الاختراع؟ دخل علي بالأمس وهو خالي الوفاض متعللاً بالغزل العذري من مكونات فطورهم المستحيل استغرق في مدح الفول والفلافل، وخدود الطماطم الندية، والبصل المترف والشطة الخضراء، وأهم من كل ذلك الخبز ( ود القبايل). كان يتحدث عن كل هذه التفاصيل بلغة فخمة جعلت أحد مقدمي البرامج الجوعى يقتحمون علينا المكتب وهو يصيح في لهفة: إن شاء الله خليتوا لينا باقي؟ انفجرنا بالضحك وشر البلية ما يضحك.
ووجدتها فرصة لأقص عليهم الحكاية الشهيرة في أدبيات الجاحظ.فقد حكى أن أعرابياً وزوجته ارتحلا إلى دار جديدة، وكما هي العادة انتظروا أن يقبل عليهم الجيران بالضيافة والقِّرى وما لذ وطاب من طعام وشراب، ولكن خاب فألهم فلم يدخل عليهم أحد لا بطعام ولا بكلام حتى انتصف الليل، وعضهم الجوع فقال الرجل لزوجته حالماً: قومي على ذراع الشاة هذه فاصنعي منها ثريداً وشواءً ومرقاً، وافتحي الكيس القريب لتخرجي الارغفة والعسل. وما مضت ساعة من الزمان حتى اقتحم الجيران عليهم الدار يحملون الآنية الفارغة ويسألونهم ملحفين: لقد سدت علينا رائحة الشواء الأفق فأنفقوا علينا مما تطبخون.
فصاح الرجل في زوجته آمراً بأن تجمع ثيابها وأغراضها وتستعد للرحيل قائلاً لها بنبرة حزينة وساخرة: (لعن الله جيرانا يشتمّون رائحة الأماني ) ويشتمّون هذه من (الشم) لا من الشتيمة وإن كانت في هذا المقام جائزة.
ويبدو أن سودان قحط قد أدخل شعبنا الى مقام وطعام (رائحة الأماني) وإني لأرى جموع أهل الريف يغادرونه وجموع أهل المدن يغادرونها، ووزراء الحكومة الانتقالية من أصحاب الجنسيات المزدوجة يغادرون الخرطوم المنكوبة لوازاً إلى عواصمهم الأجنبية، حيث الوظيفة والأسرة من أولياء الأمر والدم، وكفلاء العمالة ويصبح الشعار الأكثر تداولاً وتسويقاً ( لعن الله جيرانا يشتمّون رائحة الأماني)
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٢)
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٣)
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٤)
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٥)
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٦)
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٧)
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٨)
إضغط هنا للإنضمام إلى مجموعتنا على الواتساب (٩)
إضغط هنا للإنضمام إلى قناتنا على التليغرام