سوداني نت:
لقد قرأت كما قرأ سواي ماتفضل به السيد وزير الري في حكومتنا الانتقالية، وهو زميل دراسة في سنار الثانوية؛ البروف ياسر عباس، وكذلك استمعت للبيان الحكومي (المقتضب) بخصوص مباحثات سد النهضة، والذي مفاده أن السودان لم يتنازل عن حقوقه المائية، وكون المباحثات الحالية حول سد النهضة لم تتناول أبدا موضوع قسمة المياه!.
أولا وقبل تقييم مصداقية ذلك أسمح لي يابروف بهذا السؤال:
كيف يمكن لحكومة أن تتعامل مع شعبها -في أمر مصيري- بهذا التبسيط والاستهانة؟!
ولمجرد المقارنة فقد نقلت الفضائيات خبر دعوة رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد كل وزرائه، إضافة كل قيادات المجتمع المدني في بلده إلى اجتماع موسع، كان الغرض منه اطلاعهم على (العرض) الذي قدمته له الخارجية والخزانة الامريكية بخصوص الاتفاقية النهائية المفترض توقيعها من الدول الثلاث، هل تجيبني يا سعادة الوزير؛ أين نحن في السودان مما فعله رئيس وزراء إثيوبيا؟!
للأسف لقد ظللنا طوال فترة هذه المباحثات نسمع ونقرأ تصريحات (ثنائية) من مصر واثيوبيا فقط، بينما لا (حس ولاخبر) منكم ومن السيدة أسماء وزيرة خارجيتنا، أو حتى من حكومتنا، إلا كلمة هنا أو هناك وباقتضاب شديد، أو فلنقل على حياء!
بينما لم يدَعَ المفاوض المصري وحكومته طوال فترة المباحثات فرصة لحديث في الفضائيات أو بقية الوسائط إلا واهتبلوها، تحدثا عن المياه التي (ينبغي) السماح لها بالانسياب من بوابات السد، وكونها ليست كافية (في عضمها) لمصر سقيا لأرضها، والحق يقال إن المصريين جميعا محبون لوطنهم وعاشقون له، لايختلفون على ذلك مهما تباينت الرؤى واختلفت مواقعهم السياسية في الحكومة أو المعارضة، فالتحية لهم على ذلك فحب واجب وهو شرف لأهلها، ولكن أين نحن من ذلك؟!
لقد ورثنا اتفاقية لمياه النيل تم التوقيع عليها عام 1902 اخذت فيها مصر 55 مليارا، وكان نصيبنا برغم المليون ميل مربع -حينها- 18 مليار متر مكعب فقط!، هذه الاتفاقية لم تتحدث حكومة سودانية منذ استقلالنا عنها! ولم يكتب سوداني عن الأسس القانونية التي تمت بموجبها؛ هل هي عادلة أم لا إلا قلة لعل منهم البروفيسور سلمان محمد احمد سلمان أطال الله عمره، فإذا بسكوتنا يستثمره المفاوض المصري ليفرض علينا اتفاقية أخرى تُعنى بالسد العالي، ل(يقنعوا) مفاوضينا بخصم 5 مليار أخرى من قسمتنا الضيزى تلك، وذلك بداعي (مقاسمة) مصر للفاقد في التبخر من سطح بحيرة السد العالي!
بل زاد كرم المفاوض السوداني على ذلك فوافق على (سلفة مائية) تبلغ المليار ونصف متر مكعب ظلت تذهب لمصر لعقود من السنوات دون شكر منهم، بل كان الجزاء احتلال الحكومة المصرية لجزء حبيب من أرض السودان ومافتئ التمصير فيه يجري على قدم وساق، وإذا بخزاناتنا السودانية كلها تُنشأ لا لتكون قادرة على التخزين المستمر؛ إنما لتخزين موسمي فقط!!
وعندما يقدر الله لنا سدا تنشئه إثيوبيا يسمح للسودان ويعينه على الحصول على إمداد مائي ثابت ومستمر طوال العام يستطيع بسببه أن يستفيد -على الأقل- من قسمته الضيزى تلك؛ يوشك أن يصبح ذلك سرابا بقيعة!
فالمفاوض المصري ظل يطالب بكامل الكمية التي ستسمح لها اثيوبيا بالانسياب من بوابات السد، وللعلم فإن الحسابات المائية تفيد بأن إيراد النيل الأزرق عادة يترواح مابين الثلاثين إلى الخمسين مليار متر مكعب من المياه خلال العام، لكن خلال العقود الأخيرة ومنذ الثمانيات فقد كان أقصى إيراد للنيل الأزرق مابين 35 إلى 40 مليار متر مكعب فقط، والنيل الأزرق عادة يرفد نهر النيل بأكثر من 80% من امواهه، فكيف يمكن أن نصدق فحوى البيان الحكومي ولم نسمع يوما اعتراضا أو لفت نظر من حكومتنا على ترديد الحكومة والمفاوض المصري بأن ال40 مليار متر مكعب (في عضمها) لا ولن تكفي مصر؟! بل أعلنت مصر ومن خلال بيان رئاسي بأن مصر قد دخلت في عهد الفقر المائي منذ الآن؟! فأين حكومتنا من كل ذلك؟!
ليت حكومتنا كلفت نفسها -على الأقل- مشاركة الحكومة المصرية الحديث مطالبة بهذه ال40 مليار، (أقلاها) كي لاتحيق بنا القصة التي حكاها الجاحظ في كتاب الحيوان عن أحقية الذي يتعب في الإتيان بالثمار بها!.
كسوداني أتمنى أن اصدقك يابروف، وكذلك أتمنى أن أصدق الأستاذ فيصل محمد صالح الذي ظللت أكتب بأنه أكثر من يُقنِع من بين وزراء هذه الحكومة، والحق أقول بأنه أجاد خلال لقاء اليوم في فضائية السودان عندما استضافه هذا الصحفي الذي لم يتسنّ لي معرفة أسمه والذي أجده يستحق وسام أفضل محاور تلفزيوني حاليا، واكثرهم قدرة على استنطاق مستضافيه، فالتحية له، والتحية للأستاذ فيصل محمد صالح، لكن تظل الأكف على القلوب خشية من أن تودي بوطننا الذهنيات الاستسهالية حين التعامل مع قضايا السودان المصيرية، ومنها حقوقنا وحقوق أجيال قادمة في مياه النيل، عشما في تحقيق مقولة جميلة بأن السودان سلة غذاء العالم!، وكذلك حلم لأهلنا في الولاية الشمالية أن يروا ترعتي سد مروي ماثلة للعيان قبل ان يلقى جيلنا ربه، وكلي أمل أن لا يصل الحال بحكومتنا الانشغال برفع الحظر الأمريكي فيتنازلوا لأجل ذلك بالكثير الذي يستحيل، بل الذي لن يجبر ضرره إلى الأبد، وذلك عندما يتم التنازل عن نصيب السودان، فيعود الينا الري المصري بأسوأ مما كان عليه، فنرى سياراتهم تجوب أراضينا بعد أن تكون أعيننا قد اعتادت على عربات منظمات الأمم المتحدة العديدة التي شرعت في الدخول إلى السودان.
اللهم أحفظ السودان واكتب له ولأهله الصابرين الخير، ودبرنا فإنا لانحسن التدبير.
إنك باربي ولي ذلك والقادر عليه