سوداني نت:
-1-
من الرِّوايات المثيرة التي اطَّلعنا عليها في سنوات الطلب الدراسي في مجال الإعلام، ما كان يُحكى عن ألاعيب وزير الدعاية النازي جوزيف جوبلز.
قام أدولف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية، بإعدام سبعة من الضباط الكبار في قيادة الجيش الألماني.
انتشر الخبر في المجالس الألمانية بأسماء الضباط ورتبهم، وساد التوتُّر والقلق داخل صفوف الجيش، واستغل الأعداء المعلومة في الحرب النفسية المضادَّة على الجيش النازي.
حينها اقترَحَ الداهية جوبلز على هتلر استخدام وحدة صناعة الشائعات في مركز الدعاية الألماني، بإطلاق شائعة تقول إن عدد الذين أُعدموا ليس سبعة فقط، بل عشرة بينهم (فلان وفلان وفلان)!
مع أسماء السبعة الذين تم إعدامهم، أضاف جهاز الشائعات ثلاثة أسماء من الضُّباط الأحياء.
انتشرت الشائعة بكثافة، ووصلت مرحلة التشبع واليقين، أن المعدمين عشرة وليسوا سبعة.
مضت أيام قلائل، فإذا بالثلاثة الأحياء يظهرون في احتفال رسمي بجوار هتلر يتبادلون معه الابتسامات!
وحينما رأى الجمهور الألماني ثلاثة من الأسماء المشاع أنهم أعدموا موجودين على قيد الحياة، ظنوا أن البقية كذلك أحياء، وما قصة الإعدام سوى شائعة كيدية من الأعداء.
استطاع جوبلز أن يغتال حقيقةَ مقتلِ السبعة بشائعة إعدام الثلاثة!
-2-
ما الذي جعلنا نستدعي جوبلز وألاعيبه؟!
نعم، نريد القول بالمختصر المفيد، إن للشائعات مقدرةً خطيرة في اغتيال الحقائق.
لذا كتبنا لأكثر من مرة قبل سقوط البشير وبعده: (لا تفسدوا قضايا الفساد بالشائعات).
ما هو متوفر من حقائق وموجود من ملفات، كافٍ تماماً لإدانة الكثيرين من أهل النظام السابق بجرائم فساد، فلا داعي للأكاذيب والشائعات.
قبل أيام كتب الصديق العزيز مزمل أبو القاسم في عموده المقروء تحت عنوان (ود الفكي روق)، مُقرِّعاً عضو المجلس السيادي على كثرة تصريحاته وشتارة بعضها، وخروجها عن نسق الرزانة السيادية، رغم قصر فترة توليه المنصب.
قبل أيام من تكوين السلطة الانتقالية نصحتُ القادمين الجدد أن ينفقوا بعض الوقت للقراءة والاستذكار في كتاب تجربة حكم الإنقاذ.
نسيت أن أنصحهم بمدِّ بصرهم شمالاً للقراءة كذلك في دفاتر ثورة يناير المصرية.
الهدف من ذلك، الاستفادة من الدروس والعِبَر، حتى لا تتكرَّر الأخطاء، وكما قال أحد الفلاسفة: (التاريخ هو الحصيلة الإجمالية لأخطاء كان من المُمكن تفاديها).
-3-
لم تمر أربعٌ وعشرون ساعة على كتابة مقالي (شغل خم)، مُتناوِلاً فيه جزافية استخدام الأرقام والنسب وتقديم نماذج من الأرشيف القريب عن تضخيم بعض وزراء الإنقاذ للأرقام بصورة أثارت عليهم السخرية والاستهجان؛ فإذا بصديقنا المصرفي المُخضرم الأستاذ محمد عصمت يقع في التهويل المفضي للسخرية، باستخدام الأرقام المُفخَّخة القابلة للانفجار.
خرج عصمت بتصريح سارت به الركبان الإسفيرية، عن تهريب رموز السلطة السابقة 64 مليار دولار إلى ماليزيا!
-4-
حينما اطَّلعت على تصريح عصمت، تذكَّرتُ الأرقام التهويلية التي خرجت بعد سقوط حسني مبارك، وتجاوزت بثروته المُتوهَّمة الثمانين مليار دولار!
وتذكَّرتُ ما كُنَّا نسمع ونقرأ في أيام انتفاضة رجب أبريل، عن ثروة جعفر نميري وزوجته بثينة!
فتح صديقنا عصمت على نفسه باباً واسعاً لأهل الاقتصاد، من كُلِّ حدبٍ وصوبٍ؛ فجاءوا بآلاتهم الحاسبة، مستعينين بخدمات العم قوقل لعرض ميزانيات ماليزيا في السنوات الأخيرة، يُشكِّكون في الرقم ويسخرون من القائل!
-5-
قبل انتهاء الجدل حول مبلغ الـ 64 مليار دولار ووجودها بماليزيا، اقتحم محمد عصمت البنك المصري السوداني في غزوة نهارية، لعقد اجتماع نقابي أثناء ساعات العمل دون إخطار المدير العام بالبنك!
ما كان لرجلٍ بخبرة ومعرفة الأستاذ محمد عصمت بالعمل المصرفي والنقابي، فعل ذلك التصرف الذي لا يخلو من التهوُّر.
عصمت يعلم أن هناك ضوابط راسخة تُحدِّدُ طرق وأوقات ممارسة النشاط النقابي داخل المؤسسات الخاصة والعامة، دون إخلالٍ بالعمل أو التأثير عليه.
ما حدث أمام عملاء البنك وتناقلته الوسائط داخل السودان وخارجه، يُعتبر مظهراً للفوضى والتخبُّط في مكان ذي حساسية عالية.
كيف بإمكاننا إقناع المُستثمرِين والبنوك الراغبة في العمل بالسودان أن بيئتنا صالحة لاستثماراتهم، وهم يرون بأعينهم ذلك المشهد العبثي.
-6-
من المفترض أن يكون قادة الحرية والتغيير بعدما آلت اليهم السلطة هم الأحرص على مراعاة القوانين والنظم واللوائح والحفاظ على استقرار دولاب العمل في كُلِّ المرافق العامة والخاصة.
البلاد تُعاني أزمات اقتصادية خانقة، فهي في حاجة إلى مبادرات، ورئيس الوزراء يسعى في المحافل الدولية لتوسيع دائرة الانفتاح على الخارج وجذب الاستثمارات وإغراء المصارف العالمية للعمل في السودان.
كيف للمصارف الأجنبية أن تأتي للسودان، وبنك يحمل في جزء من اسمه اسم (المصري) يحدث فيه ما حدث؟!!
-أخيراً-
على قيادات الحرية والتغيير الحفاظ على مصداقيَّتهم وضبط إيقاعهم، ما أورد من سبقهم موارد الهلاك سوى نفاد رصيد المصداقية وخراقة الأقوال وطيش الأفعال!
:::