سوداني نت:
منذ الاستقلال و حتى الان تمضي البلاد الى الوراء و كل مكتسبات الدولة لفترة ما قبل طرد المستعمر تدمرت و اهترت و اصبح الماضي أجمل من الحاضر في كل شيء …
فالعمران القديم بالعاصمة القومية و خاصة المباني الحكومية و صالونات الضيافة و الطرقات العتيقة كلها ظلت تحافظ على جمالها و جودة موادها و هندستها على امتداد ما يقترب من المائة عام …
حتى نفوس الآباء و الأجداد و صناع التاريخ تظل قامات كبيرة تتكسر عندها أي قامة حديثة و ينتهي عندها الإعجاب و الإعجاز لما قدمت من ارث في الأصول و الأخلاق و التضحيات و الإنجاز …
و أصبح تاريخ السودان نجوما عالية فوق ارضه اليوم و جاء الماضي يتلألأ في عتمة الحاضر المعاش فيا ترى ما سبب ذلك التراجع ؟ و كيف يكون الحاضر برغم تكنلوجيته المستوردة و برغم اتاحة وسائل تقدمه اقل تقدما من الماضي الذي كان يفتقر للوسيلة التنقية و يعاني من ظروفه الصعبة ؟
الكل يوافقني بأن التقدم المادي و البشري تصنعه عقول بشرية لا تعرف الاستكانة و لا تعرف الضيق و لا ترضى بالأدنى من المكاسب و كما أن امر حياتنا كل يوم في شأن جديد فهكذا العقول يتجدد نشاطها و إنتاجها الفكري و المادي …
فالحياة كلها ترتبط بالإنسان و بنشاطه وهو الذي يسوقها كيف شاء و يعطل حركتها متى ما شاء فأوروبا الغربية ارتقى بها إنسانها حتى سادت و كذا اسيا الشرقية ظلت تنافس الغرب حتى عادت و كلا القطبين في تدافع لامتلاك الريادة …
و لكن العقل السياسي السوداني انشغل بغير الإنتاج اذ ان الإنتاج هو سوق عام لمكان التدافع الشريف و العرض النظيف وهو في الأساس عمارة الأرض التي قصدها ربنا عز و جل …
ترك الساسة السودانيون منصات الإنتاج التي توهلهم لقيادة شعوبهم و اتجهوا الى سياسة أخرى لقيادة البلاد فكانت الكارثة ان سالت كثير من الدماء و تراجع التقدم و حل محله التخلف في كل مكان …
عندما تكون اللعبة السياسية مبنية على الإقصاء و الشيطنة و على الفراغ و الخواء فلا تنتج الا مزيدا من الدمار و الكراهية اذ ان منصة انطلاقها لم تكن من منصة سوق الإنتاج الفكري و المادي و التنافس العادل …
ان موروث الممارسة السياسية السودانية يمثل عبئا ثقيلا اليوم عليها وهو السبب الأساس في الأزمة السودانية فقد انبنى على قاعدة الاستقطاب الرخيص و تحشيد القطيع و شيطنة المنافسين …
و تصنع الأحزاب السياسية قاعدتها الشعبية على أساس ولاء البيوتات الدينية أو الولاء القبلي و الجهوي أو العواطف النضالية السابقة أو الكراء المباشر للمؤثرين و الفقراء من الشباب و الطلاب و المرأة و كل ذلك يخالف القواعد الأساسية لنهضة الشعوب .
و نواصل …