د. عبدالكريم محي الدين يكتب: ما بين حسم نزاع المنطقتين في اتفاقية مشاكوس و مسودة الاتفاق بين الحلو و الحكومة الانتقالية
سوداني نت:
جاءت اتفاقية مشاكوس الموقعة بين حكومة السودان و الحركة الشعبية لتحرير السودان و الموقعة في السادس و العشرين من مايو لعام 2004 م جاءت في اثنتي عشر مادة رئيسية بما فيها الجداول الخاصة بالاختصاصات الولائية و القومية و المشتركة …
تمثلت في المبادئ العامة ، تعريف المنطقتين ، المشاورة الشعبية ، هيكل الحكومة ، السلطة التنفيذية ، السلطة التشريعية ، المحاكم ، نصيب المنطقتين من الثروة القومية ، مفوضية الأراضي ، الترتيبات الامنية ، ترتيبات ما قبل الانتخابات و جداول الاختصاصات و لم تزد المواد الفرعية على ( 84 ) فرعا …
اتخذت هذه الاتفاقية دستور السودان الانتقالي لعام 2005 مرجعا أساسياً لما ورد فيها ومرجعاً للاحتكام لما تم الاتفاق عليه من القضايا القومية و هوية الدولة و مصادر التشريع …
اذ اقر هذا الدستور الدين الاسلامي مصدرا من مصادر التشريع و حدد هوية السودان القائمة على عادات و تقاليد و ثقافات و إثنيات و جهويا شعوبه هوية للدولة كما جعل اللغة العربية لغة رسمية للبلاد …
و قامت مسودت الاتفاقية الاطارية بين حركة عبدالعزيز ادم الحلو و حكومة جمهورية السودان الانتقالية على ( 24 ) مادة رئيسية و ( 161) مادة فرعية …
تمثلت هذه المواد في : المبادئ العامة ، إصلاح القطاع الاقتصادي ، وقف إطلاق النار ، تدابير اعادة التوطين ، الوحدة الجاذبة ، مواجهة التحديات ، السياسة الخارجية ، العدالة الانتقالية ، عملية الانتقال ، الفترة الانتقالية ، علاقة الدين بالدولة ، الهوية الوطنية ، التعليم و المناهج ، اللغات السودانية ، حقوق الانسان و الحريات ، هياكل الحكم ، القانون الأعلى ، مفوضية الدستور ، الاتفاق القانوني ، تعديل الدستور و إلغاؤه ، المراجعة الدستورية ، الحكومة القومية ، السلطات القضائية و المشورة الشعبية …
ولم تشر هذه المسودة الى مرجعيات غير العهود و الاتفاقيات الدولية …
و قد خاضت هذه المسودة في قضايا تفصيلية خاصة فيما ورد بالمادة ( 11 ) الخاصة بعلاقة الدين بالدولة اذ نذكر منها ما يلي :
3/11 فصل الدين عن الدولة .
4/11 الفصل بين الهويات الثقافية و الاثنية و اللغوية و الجهوية عن الدولة .
6/11 لا يجوز ان تبنى الدولة على دين معين .
7/11 تكون الدولة محايدة فيما يتعلق بقضايا الدين .
9/11 يكون السودان دولة مدنية علمانية ديمقراطية لا مركزية و لا تستند القوانين فيه الى اي دين .
10/11 إلغاء جميع القوانين التي تقوم على أساس ديني .
11/11 يحظر استخدام الرموز و المدونات الدينية في الوثائق و المراسلات الرسمية .
12/11 يجب ان تستند الأهلية المناصب العامة بما في ذلك الرئاسة و الخدمة المدنية و التمتع بجميع الحقوق و الواجبات على المواطنة و ليس على الدين .
13/11 يكون يوم الاربعاء عطلة نهاية الأسبوع على مستوى الدولة
14/11 يحكم السودان بالنظام الرئاسي ؟؟
15/11 يجب ان تضمن المبادئ { 11-1 الى 11-14 } في الدستور الدايم .
دعت المسودة الى اعادة صياغة المناهج التعليمية و تثبيت المنهج المعمول به الان في جبال النوبة و المناطق التابعة لحركة عبدالعزيز الحلو المسلحة كما دعت الى اعادة كتابة التاريخ السوداني و فيما ابقت المسودة اللغة العربية كمادة فقط من ضمن مواد التعليم في المنطقتين …
لم تعرف المسودة الاطارية الاقليمين المذكورين فيها تعريفا يزيل الإبهام بل ظلت تسمي الاقليمين مرة بجبال النوبة و غرب كردفان و الفونج و دارفور و تسميهما في مرة اخرى بجبال النوبة و غرب كردفان و الفونج دون ذكر دارفور مما سيخلق اشكاليات الحدود و الغام النزاع مستقبلا …
سيقع المفاوض الحكومي عندما يدخل في التفاصيل في فخ الهوية و تعريف المنطقتين و ستشكل قضية الهوية و العلمانية و التعليم و تقاسم الثروة و السلطة و الترتيبات الامنية عوائق كبرى للمفاوضات لانها تشكل انقلابا كبيرا للمجتمع السوداني وان قبلت بها الدولة ستؤدي الى سقوطها عبر غضب سوداني عارم …
لا مقارنة ابدا بين اتفاقية مشاكوس لحسم النزاع في المنطقتين ( جبال النوبة و النيل الأزرق ) و بين مسودة الحلو و الحكومة الانتقالية فالأولى قامت على دستور قومي متفق عليه وجاء ملبيا لتطلعات الانسان السوداني و قلما يجد دستور اخر الدعم الشعبي المحلي و الدعم الدولي و الإقليمي الذي وجده دستور السودان الانتقالي لعام 2005 فيما استندت الاتفاقية الاطارية هذه فقط على علمانية الدولة و فصل هويتها عن هوية الشعب السوداني و بل وركزت على النهج الذي يصنع النزاع اللغوي و التمييز الجهوي كما فعلت اتفاقية جوبا للسلام …
وكما قيل ان الشيطان يكمن في التفاصيل فالأولى لحكومة السودان ان تقبل باجراءات الاستفتاء و المشورة على المنطقتين بعد تعريفهما تعريفا دقيقا لتحسم تبعية المنطقتين او استقلالهما دون ان تدخل في صراع تسلطي و اجندة دولية تزيد من أزمة البلاد ودون ان تقبل بالمبادئ فوق الدستورية التي يراها الحلو تعلو حتى على القران و تعلو على الدساتير التي قبلها الشعب السوداني بان تكون له دساتير انتقالية او دستور موقت كالوثيقة الدستورية القحتاوية …