سوداني نت:
توفي الامام و الحزن ينزل على كل الشعب السوداني و لا يستبعد منهم احدا حتى عدو الامام نفسه يصيبه الحزن و يبكيه الفقد و يشعر بفجوة المكان و توحش السياسة و غياب الحكمة …
لم يكن الامام زعيما لحزب الامة وحده و لا ابا روحيا لكيان الانصار وحدهم بل كان يمثل شخصية عامة يسري حبها في دماء السودانيين كافة …
ذلك لانه كان يمارس السياسة من جانبها العادل و ينطلق بها من منصة الوطنية الخالصة و يرى ان من خالفه ليس عدوه و ان من وافقه ليس امعةً و ان من عمل معه لا يعمل الا لأجل الوطن و اعلاء القيم …
و ذلك ايضا لأنه يمارس الديمقراطية بعدالة و شفافية فتراه يبسط الشورى دون ضعف و يمسك بتلابيب الامر دون دكتاتورية و يرخي جانبه تواضعا دون بساطة معيبة و تراه يستمع لمن حوله بحضور كامل و بدهن متقد …
و شخصية الامام لا تحمل حقدا لعدو و لا تعرف التشفي فاذا ملك صفح و اذا قدر عفا و اذا ظهر تواضع و اذا علا لان و اذا انتصر نشر التسامح و المحبة و السلام …
و سر محبة الناس له انه كان يحب الجميع و ينزل الناس منازلهم فلا يغلق بابه عليه و لا يحصر داره لنفسه و لا يجعل ماله لخاصته بل هو و نفسه و ماله و أهله مبزولا للسودانيين جمعاء …
و لم يكن سياسيا همه الكرسي و لم يكن حزبيا همه الحزب و لم يكن سودانيا همه السودان فقط بل كان يمارس السياسة من اجل التنمية الوطنية العامة و التنمية البشرية العامة و يدير حزبه من اجل اشاعة التنافس الكريم و من اجل تقديم النموذج الديمقراطي الأفضل و من اجل القدوة و الحسنى و تسابق الخيرات و لذلك تعدى الامام الشخصية المحلية و امتلك محلا عاليا في موقع اكبر الشخصيات العالمية …
و كل ما أقوله عن الامام لي به شواهد كثيرة اكبر سعة من مجال المقالات فكيف أحصر سفره الخصم في كلمات وهو الذي عالج السياسة القومية منذ بداية ستينات القرن الماضي و قدم في ذلك سجلا ناصعا و حكمة و دراية واسعة و هو الذي قدم بحوثا علمية اكثر من ان أعدها في هذا المقام الضيق و كتب كتبا قيمة تذخر بها المكتبة الاسلامية و العربية و انتشرت بمحاضراته وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي …
وهو المفكر السياسي و العالم الديني و الخطيب المفوه و الأديب الذي أحبته كلمات اللغة العربية و احرف الإنجليزية و تشرفت بكتابته عديد من الصحف و المجلات و ترك بصمات واضحة على منابر المساجد و قاعات الطلاب …
و بفقده تفقد البلاد حكيما لقمانيا و ابا روحيا فلا يضمد جراحها الا اتباع منهجه و اقتفاء اثره و استلهام روحه في لم الشمل و توزيع الامل و زرع المحبة و السلام …
وكان رأيه واضحا في قضية التطبيع مع اسرائيل وقد يكون من اجل هذا الرأي لقي ربه شهيدا راضيا مرضيا …
وقبل ان نواريه الثرى جوار المجاهدين من ابائه لابد ان نرسل رسائلنا للذين لايعجبهم منهج الامام في مواصلة الجهاد ضد الخنوع و الركوع للغرب و محوره و ربيبته …
تلك الرسائل تحمل اولا ان الامام لم يمت في إرثه التاريخي اذ سلم الراية لخلف لا يتمثل فقط في حزب الامة القومي و إنما سلمها لجميع من يؤمن بسعة الوطن و ضرورة الشورى حتمية الشفافية و لزوم تقبل الاخر …
وثانياً ان المبادرات الوطنية التي قادها الامام في توحيد الصف و بناء السلام السياسي و الاجتماعي و الوطني لن تمت بعد استشهاده فقد تبنتها القاعدة العريضة من ابناء و احزاب الوطن التي تحمل ذات الهم …
وانا لله و انا له راجعون و جبر الله كير امتنا في فقد أمامنا و الله اكبر و لله الحمد …