سوداني نت:
فيما ما أرى
١
كثيرون هم من خانوا قيم الثورة.. ومن انتموا إليها ابتداء بالخيانة.. وما اكثر من خانوا رفقائهم وأولياء نعمتهم حين تربعوا على سدة الكراسي الوثيرة والمثيرة. ليس غريباً على بعض الأفندية ذوي الياقات البيضاء خيانة القيم والشعارات والمواثيق فهم اصلا ساسة لايتورعون عن الكذب والتهام شعاراتهم بنهم متى اعتلوا المناصب. كما لايتورع بعض العسكريين من الحنث بقسمهم ووعودهم متى ما استتب لهم الأمر وظنوا أنهم خالدون فيها أبداً. هذا كله موجود وموثق فى تاريخنا القديم والحديث.
على أن خيانة رئيس القضاء نعمات عبد الله ووزير العدل نصر الدين عبد الباري والنائب العام تاج السر الحبر للعدالة هو الجديد وماكان على بال. حنث هذا الثلاثي بقسم المهنة أولا ، ثم بقسم الحفاظ على شعارات الثورة (حرية وعدالة) وأصبحوا سجانين وقضاة لخصومهم السياسيين وكأن لم يسمعوا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)””.
2
ما أقبح خيانة العدالة من حراسها والمظنون فيهم حمايتها ، ولأنهم ضمير الثورة والقيمين على شعاراتها.. للأسف هم الآن فى طلائع خائنيها.
إذا أردت أن ترى نموذجاً لخيانة الثورة وقيم العدالة مجسداً ماعليك إلا أن تنظر فى صورة الثلاثي أعلاه ثم أعد النظر كرتين وحدّق وركز فى صورة السيد النائب العام لترى أفعاله وقراراته وحال نياباته .أما إذا رغبت فى رؤية بشاعة “العدالة” فى هذا الزمان فانظر فى وجه نيابة الإزالة وبطليها مناع وتابعه الديكتاتور الصغير عبد الله عثمان.
خان وزير العدل امانته حين قبل بتزوير الوثيقة الدستورية ولاذ بصمت مريب وخان رئيس القضاء عهده مع رفاق عمره حين سمح لسمسار دولى ومحامى متواضع بالقذف بهم فى قارعة الطريق دون ان ينبس بكلمة للدفاع عنهم.لقد خان تاج السر الحبر مهنتة حين صمت على الانتهاكات الجسيمة للعدالة تجرى امام ناظرية.
3
لقد بدأ سيادة النائب العام الحبر عهده بانتهاك أبسط مقومات العدالة وبنفسه دون ادنى خجل. هو الذى فتح بلاغ ضد مدبري انقلاب يونيو ٨٩ ثم عُين نائباً عاماً لتتولى نيابته التحري فى البلاغ ذاته وخلال الأسبوع الماضي تقدم ليتولى خطبة الإتهام ضد المتهمين الذين كان قد فتح البلاغ ضدهم وتحرى معهم . فعل ذلك أمام قاضٍ كان بالأمس القريب خصماً للجالسين أمامه فى قفص الاتهام !! .. هكذا تكتمل أركان العدالة، نائب عام خصم سياسي للمتهمين يفتح البلاغ ويتحرى هو نفسه وقاضٍ عدو لمن يحاكمهم.
بالأمس فى أعقاب اعادة اعتقال السيدة وداد وحين حاصره الاعلام قانونيا واخلاقيا اصدر السيد النائب العام بيانا مضحكا قال فيه (وأكدت النيابة في بيانها على إحترامها لحقوق المتهمين وفقا لما هو وارد بقانون الإجراءات الجنائية، مشددة على إرساء سيادة حكم القانون، والحفاظ على الضمانات الأساسية للمتهمين مع تأكيدها مبدأ عدم الإفلات من العقاب) عن اى حقوق يتحدث ويكذب….مئات المعتقلين بالسجون بلا تهم ولاتحر لعام كامل كما سنرى.
” *ويل للكذوبين* *من يوما يستل به* **مخضوضر القول* *من مستبوء الكذب* ”
4
انظر يا هداك الله كيف تجري العدالة وسيادة حكم القانون فى عهد الثلاثى يطرق بابك بالليل أو الفجر أو الضحى طارق.. من هو لا تعرف… قد يكون من المباحث المركزية، أو الشرطة الأمنية أو الاستخبارات العسكرية أو استخبارات الدعم السريع أو شرطة لجنة التمكين.. أو الشرطة العادية…فتؤخذ إما إلى سجن الجهة التي اعتقلتك مباشرة، فكل جهة لها سجونها وسجانيها، أو تُجرجر لنيابة من النيابات المتعددة. إذا كنت محظوظاً ستحظى باتهامك بتهمة محددة وهى غالباً تهمة ملفقة بلاحيثيات. ولو كنت ذا حظ عظيم ستجد متحريا يسألك عن اسمك ولونك السياسي وقبيلتك وهل أنت كوز، أم ثورة مضادة لثورة ديسمبر المجيدة التى قامت لتحقيق العدالة!! لازلت أذكر ثلاث ليالٍ قضيتها فى زنزانة مجمع المحاكم بالخرطوم شرق، ومنذ ذلك الوقت اقسمت ألا أكون نصيراً للظالمين الذين عرفوا مرارة الظلم يجدر بهم أن يكونوا أكثر حساسية تجاه الانتهاكات والمظالم.
5
حين يتم القذق بك فى غياهب السجن أو الحراسة بتهمة تعرفها أو لاتعرفها.. لا أحد يسأل عنك، ويظل المحامون يطاردون وكلاء النيابات ليتحروا مع موكليهم وهيهات.. لا أحد يتحرى، تتحول إلى معتقل بلا تهمة ولا تحرٍ وتبقى هناك إلى أن يشاء الله أو حتى يرضى عنك المتعدى الأثيم أو السيد النائب العام أو أن تتخذ لك أساليب أخرى تحتانية وبرانيه فتخرج زي الشعرة من عجين مناع والنائب العام والقصص على قفا من يشيل!!
6
إذا كنت محظوظاً وصادفت وكيل نيابة ممن يخافون الله وصاحب ضمير حي، وهم ليسوا قلة ولكنهم مبعدين من النيابات المخصوصة هذه.. إذا صادفت ذلك الوكيل فسيطلق سراحك فوراً لضعف الأدلة وبؤسها ..فتتوهم أنك خرجت حراً طليقاً.. ولكن باب النيابة دوّار فما أن تأخذ نفسك عند أول عتبة حتى تكون نيابة الإزالة ومِن خلفها المعتدي الأثيم جاهزة ببلاغها وتهمتها الجديدة لتنقلك لسجن أو حراسة أخرى!! والغريب أن نيابة الإزالة نفسها تحت ولاية النائب العام .. ذلك يعني أن السيد النائب العام يفك قيدك باليمين ليحكم ذات القيد بيده اليسرى.. ويالها من عبقرية فى انتهاك العدالة!!
7
بالأمس ضجت الأسافير بنموذج باهر لنوع العدالة التى ترعاها قحت وتتآمر بالصمت على الانتهاكات مع نائب العام وتابعه المدلل صلاح مناع ولجنته. خرجت السيدة وداد بابكر حرم الرئيس السابق من سجنها بعد قرابة العام من الإقامة فى الحراسات القذرة مع معتادات الإجرام على ذمة تهم رثة فى الغباء بحثوا عن أدلة لها عاماً كاملاً ولمّا عجزوا عن إثبات أية تهمة عليها أطلقوا سراحها بضمان عادي وهو الذي ظل مرفوضاً طيلة العام لأن المقصود هو الإذلال وليس تحقيق العدل. خرجت السجينة وداد منهكة مريضة خائرة القوى ومتكئة على كتف ابنها فى لحظة الضعف تلك ولمزيد من التشفي صوروها وهى غافية من التعب والظلم ووزعوا صورها على أوسع نطاق ولسان حالهم “ها نحن رجال الثورة قد انتقمنا لكم من البشير”!! وبئس الرجالة وما تفعلون.
خرجت السيدة وداد بتلك الحالة بعد قرابة العام بهدلة فى الحراسات ولكن السيد مناع ولجنة الازالة ليس لهم من الرحمة ولا المروءة مايكفي ليتركوها وشأنها فسارعوا في ذات ليلة إطلاق سراحها لتدبير بلاغ جديد ليعيدوها للسجن ويحيلوها فى صباح اليوم التالى إلى حراسة أخرى بلا تهم ولاتحر ولايحزنون.
ولما ضجت الأسافير وفضحت خطل عدالتهم وجورها… سارعوا فى ذات مساء اليوم لاطلاق سراحها ودون تحر!! وأنا أتفرج على هذه الدراما البائسة والعابثة بكل القيم طاف بذهنى سؤال مر: يا ترى أين رفقاء البشير.. الذين كان قائدهم.. أين هم من هذه المهازل وهم على سدة الدولة..ألا تصيبهم حكة ضمير، ولا يندى جبينهم خجلاً؟ أليس فيهم رجل رشيد ليقول لهؤلاء الظالمين الغافلين.. إن كانت هذه المرأة التى ائتمنا عليها رفقينا فى السلاح ظالمة أو فاسدة حاكموها الآن.. لتجري العدالة أما إن كانت بلا تهمة فاطلقوا سراحها.. هل هذا صعب أو كثير.. هل يرضيهم أن يتركوا نساء الرجال سبايا مع المجرمين فى الزنازين القذرة بأمر ذوي الضمائر الخربة؟ إذا تركنا جانباً سؤال الذى لايظلم عنده أحد ورفقه السلاح…هل أمنوا مكر السياسية أو أن تدور بهم الداوئر.. هل يقبلون هذا الوضع لأمهاتهم ولزوجاتهم وأخواتهم؟ هل يرضيهم أن يزجوا فى الحراسات مع المجرمين بلا تهم او جريمة؟ الله غالب..
8
خرجت وداد بابكر التى لم أتشرف بمعرفتها ولا تربطني بها علاقة من قريب أو بعيد، خرجت من الحراسة مرة أخرى وليس من ضمان ألا تعود إلى الحراسات غدا..ولذا فالقضية أكبر من قصة وداد.. انما هى قضية العدالة المهدرة والمغدورة ونسف كل أسسها ابتداء من إجازة قوانين بلا سند دستوري …وتعيين لجنة حلت محل القضاة تتهم وتدين وتصادر وتسجن، لجنة تصفي المستشارين ووكلاء النيابة وتشرد القضاة، ليست هنالك موسسات للعدالة، لا مجلس للقضاء لامحكمة دستورية، اعتقالات بالمئات بلا تهم ولا تحر.. سيظن كثير من الشامتين والفرحين الآن بتنيكل خصومهم، سيظنون أنهم بعيدين عن بغي الظالمين …ولكن سوف لن يلبثوا إلا قليلا.. حتى يروا ذات القيود بأيديهم… ما سلككم فى سقر… كنا من الظالمين المستهزئين بالعدالة.