سوداني نت:
النتائج محمولة بمقدماتها، الحقيقة التي لا خلاف عليها، هي أن هؤلاء جميعاً تكاتفوا وتعاهدوا ليس فقط للإعلان بصريح العبارة عن التزامهم بالبقاء في حظيرة صندوق النقد الدولي بلا قيد أو شرط، بل والمساهمة بأكبر قسط لضرب الإستقرار المالي الهش للإقتصاد السوداني، وتعريض سلامة العملة المحلية إلى أخطار محدقة، حتى تسليمها في طبق إلى خبراء الصندوق في عملية مختارة بعناية، من خلال الطاقم الإقتصادي واستمراره في نقل الأعباء الناجمة عن الأزمات وهي من صنعهم على كاهل الجماهير. .
الطاقم الإقتصادي الذي ورثته الوزيرة المكلفة هبة، مازال يعبث ويتلاعب بالقرب من الثقب الأسود ،وإصرار بشكل منظم ومحكم على أن تندلع الكارثة، وإستحداث شروط تقويض الإستقرار الإقتصادي، تتبعه بالضرورة الإضطرابات الإجتماعية، والتي ستقوض الإستقرار السياسي الهش. .
من أخطر الوصفات السامة القاتلة، هي الوصفة التي يتم إجرائها في ظل(التوهان الإقتصادي) فالطاقم الإقتصادي يجب عليه أولا ، إجراء التوازن النفسي الفكري لجوقة المستشارين حوله، قبل إجراء التوازن الإقتصادي لهذا الشعب اليتيم. .
إن التشوه النفسي الفكري، يرتسم في العلاقات المشوهة التي رسمها تحالف حمدوك الاقتصادي ومستشاريه فيما يخص عجينة الانفاق والعجز ضد قضية النمو، وهو الشعور الذي الذي أخاف سميث، لكن مارآه وخشيه كان شيئاً من شأنه أن يحدث إختلال هذه الرغبة (المال السهل )، وهو ماتعرضه طالبة هارفارد من خلال تسهيل إقراض الحكومة لدفع التزاماتها بشأن مأزق الأجور .. وبشأن العجز المدفوع بغباء السياسة، فضلا عن (الماتدور) الرهيب الدولار. .
بدلا من أن تلتفت الوزيرة المكلفة إلى إصلاح ماافسدته حقبة البدوي القصيرة زمنياً، والعظيمة اختلالا اقتصادياً ، كان يجب ان تمتلك اللحظة الثورية (الملكية)، بوقوفها في منتصف أرض مشروع الجزيرة الزراعي، معبرة عن أسس الإقتصاد الحقيقي للإنتاج، وتشييد قصة النمو الإقتصادي، لكن وقد حملتها رؤية هارفارد الإقتصادية لتقف مستندة إلى عكاز إقتصاد (الزومبي) في أرض مصنع العملة لتبشرنا بالمهمة العقلية الصعبة التي تريد أن تنجز بها المعالجة الإقتصادية. . لقد وجدتها .. لقد وجدتها كصيحة نيوتن. . لقد وجدتها. .وجدتها إنها في المزيد من الطباعة بدلا عن سنابل القمح،وهي الفكرة التي قال بها (صاحب مقولة رب. .رب. .رب )، بالرغم من أنه لم يكلف نفسه عناء مشقة الدراسة في هارفارد ، وبالتالي فإن من مصائب الإقتصاد السوداني (الجلل)، أن الخبير يتعرى عند أول أزمة حقيقية، فيزول اللحاء السطحي وتظل الأزمة شامخة تخرج لسانها. .إنها أزمة الخبير الذي يستجلب تروس (تراكتور) ليقوم بتركيبها في (موتسيكل). . فقره الفكري بالبنية الاجتماعية /النفسية وشروط النمو وتناقض التركيب بين النظرية والحفر العميق في البنية المحلية للإقتصاد.
تأمر الوزيرة بضغط أزرار مكائن العملة، فتدر عليها ليس عملة محلية سودانية، بل دولار، وهنا التفسير الوحيد لذلك، أن فكي يقبع داخل المكائن يتمتم (بتعاويذ) سحرية وحاملا قارورة زئبق أحمر، يعاونه (جان) يعاونه( خدام )يقومون بتحويل الجنيه إلى دولار. .بينما هي تقف خلف المكائن لتلقف الإحتياطي الدولاري الضخم،وتحمله الى القصر المشيد، الذي يقبع في مقرن النيلين، وتمتلئ بئره المعطلة. .
ما ثبت فعلياً الآن، بعد عام من مسيرة الوزارة الإنتقالية الفقر المدقع للطاقم الإقتصادي والإعاقة الفكرية في مجال الإقتصاد، لدى المستشارين المتحلقين حول حمدوك، والذين تخصصوا في إحراز الأهداف العكسية، بنجاح يحسدون عليه في مرمى الإقتصاد، حيث أن رسمهم للسياسات الكارثية فاق كوارث الطبيعة نفسها، وتجلى ذلك واضحاً في الاضعاف التاريخي للايرادات العامة حتى بلغت متحصلاتها 40 %فقط نتاج التوسع الضخم لزيادات خطيرة جداً في هيكل الأجور وكأن حجم اقتصادنا يوازي حجم الإقتصاد البريطاني، حتى تضاربت تصريحاتهم بشأن البنود المالية التي ستغذي هذا الوحش الذي تم ايقاظه من سباته، فمرة من أصول إزالة التمكين وتارة أخرى، من الضرائب، وحينا آخر من موارد حقيقية، وليس هناك حقيقة واحدة غير شبح الإنهيار الإقتصادي الذي بدأت ملامحه تلوح في الأفق.
هذا الاختلال الخطير في مكون الإيرادات، صنع موجة غريبة، لم يشهدها الإقتصاد السوداني منذ تكوين الممالك القديمة قبل 7 الف سنة، تسمى هذه الظاهرة (إقتصاد الثقب الأسود) وسميت كذلك لأن أي جسم يقترب منها تقوم بابتلاعه. .وكذلك بالرغم من أن زيادة الاجور خلقت أثرا ذاتياً بالغا على تشوه الأجور، في نفس الوقت خلقت عجزا ضخماً وتاريخي أظهر الإقتصاد في شكل( إقتصاد الثقب الأسود) والذي سيبتلع مزيداً من عمليات رفع الدولة يدها عن المواطن نتيجة سياسات رفع الدعم، متوهمين الوصول إلى هدف توازن الميزانية، وفي الأصل هم يضربون مركز التحكم في الإقتصاد، فيجعلونه مترنحا ، وكذلك الشعب، فلا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى. .هذا العجز هو محور استهداف البرنامج المراقب لصندوق النقد الدولي، ولا أدري هل سمع إجماع واشنطن بالمحاولات التي تجري لضخ المزيد من العملات عبر إشعال أزرار مكائن الطباعة ام يتجاهلونها ،عندها السياسة الإقتصادية سترتدي الجلابية (الأنصارية) ولا تتعرف النظرية الإقتصادية هل الإقتصاد السوداني مقبل أم مدبر. .
ما تم إنجازه من همهمات غير مفهومة قبل شهور قليلة (موجة البدوي ) رفعت الأسعار في الأسواق السودانية للسلع في أدنى الخط إلى 100 % بينما في وسطه إلى 300 % اما الخط الأعلى فأصبح التضخم جامحا ولا يفيد حسابه في شيء ،بعد أن تآكلت تروس العملة المحلية ودخلنا مرحلة الانكشاف التضخمي بوصول الانكماش الإقتصادي أعتاب (سالب 8) في معدل النمو .
والآن بدلاً عن استحداث عقار لمعالجة ماافسده العطار في تركيبة السياسات الإقتصادية، يؤكد الطاقم الإقتصادي المستخلف والمؤقت بقيادة هبة، زيادة الاختلالات الإقتصادية(الموجة الثانية ) بمزيد من الطباعة لسد عجز الأجور (المأزق الجديد) وتعميق عجز الموازنة عبر استكمال سلاسل رفع الدعم والدولار الجمركي وتعويم العملة ،لإرسال الإقتصاد وشعبه للجحيم.
الإتجار بالخطر المعنوي (الطباعة.. الدولار ):
صورة المشهد الإقتصادي :
▪️أكثر من 80 % من العملة خارج القطاع المصرفي، وليس هناك تحكم للبنك المركزي فيها. . هذا غير أن السياسات الموضوعة من الطاقم الاقتصادي تحفز التضخم، ستبدأ سحوبات من المودعين لاموالهم خارج البنوك، خوفاً من تآكلها بالتصخم، وهنا سيتعرض النظام المصرفي لإنهيار أشبه بأزمة العملة في السنة الماضية، مما يقود إلى زيادة الكتلة النقدية خارج البنوك، وهذا يقود لاثرين اضافيين :
❗تفويل التضخم.
❗إنهيار كامل للعملة المحلية عبر شراء الدولار بأي سعر للنجاة من مصيدة التضخم الجامح.
▪️تمت طباعة مقدار ضخم (غير محسوب) اقتصاديا، في العامين السابقين، والآن هي داخل الدورة الإقتصادية (ذات أثر سلبي ).
▪️ بلغت نسبة التضخم 146 %. تضخم إقتصاد (الثقب الأسود).
▪️الانكماش السريع لمعدل النمو في الإتجاه للوصول ل سالب 8.
▪️يبلغ العجز الحكومي 383 مليار جنيه.
▪️الإيرادات في أضعف مستوى لها منذ سنوات الإستقلال حيت بلغت متحصلاتها أقل من 50 %.
▪️وصول قيمة الجنيه إلى القاع حيث الجنيه قيمته تساوي فقط (نصف سنت) أمريكي (الدولار يساوي 100 سنت ). الآن أصبح سعر الصرف في نطاق السعر (المعوم) في حقيقة الأمر، وبالتالي فقدان الجنيه للتوازن فعلياً .
لاحظوا أن أيا من هؤلاء (المستشارين) الاقتصاديين لحمدوك وطاقمه الإقتصادي، لايقدمون أي حجة مباشرة لمصلحة إقتصاد النمو ، وبالتالي لا ينصب تركيزهم على النمو ويتجاهلون حقيقة أن الإقتصاد السوداني لم ينفق بعد بما يكفي، لتبرير سياسات تخفيض الإنفاق.
هذا هو الموقف بالضبط الذي يريده صندوق النقد الدولي، حتى يصرخ الناس وتبلغ الروح الحلقوم، ليأتي (خبراء الصدمة)، محمولين على كرسي مرجعية إجماع واشنطن، والذي سيقوم بمهمة واحدة، وهي تطبيق برامج التقشف الكارثية على حياة المواطن، والذي يجب عليه حسب الروشتة، أن يربط الأحزمة على البطون بينما يقدم كل الدعم المالي للشركات والمشاريع الخاصة.
في عام 2005 أصدر البنك الدولي شقيق صندوق النقد الدولي تقرير، اعترف فيه إلى حد كبير بالفشل التام لمرجعية الإصلاحات الاقتصادية ،التي تعتمد إرشادات توافق واشنطن، ولما انكشفت سياساتهم الإقتصادية الكارثية ،غيروا من سياسة التقشف الكارثية وخففوا منها بسياسات جديدة، لم تختلف عن سابقاتها كثيراً سموها (التقشف التوسعي). . عند تطبيق هذه السياسات الأخيرة في بعض الدول الأفريقية ودول امريكا اللاتينية، تراجعت اقتصادياتها بصورة مخيفة ،وتراجع النمو إلى الوراء عشر سنوات. . وبالتالي خطورة هذه السياسات أنه إذا تم تطبيقها وحققت فشلها المحقق تنتج تشوهات في الإقتصاد لايمكن أن يتعافى منها الإقتصاد إلا بعد عشر سنوات، لأن الرجوع عنها سيكون صعباً جداً ،وأقرب مثال سياسات الأجور الأخيرة التي ادخلت حتى صانعوها في المأزق. . وهنا سيكون استعدال هذه السياسات ومعالجتها أشبه بإستدارة شاحنة طولها 100 متر في شارع بعرض 4 متر.
هذه السياسة الاقتصادية يطلق عليها نظرية (الوحش ) حيث يشعر الناس أن الحكومة تقوم بالانفاق عليهم، وهنا تم إستخدام سياسة زيادة الأجور ،ولكن بعدها يقولون_ واضعو السياسة _ أن هذه الأجور أحدثت عجزا كبيراً في الميزانية، وخلقت ديون ضخمة على الحكومة، وبالتالي تصبح الدولة متهمة بأنها تسببت في هذا العجز. .والفكرة الأساسية تقول إذا شعرت القوى السياسية إنها ستخسر السلطة أو الإنتخابات القادمة، يقوم الطاقم الإقتصادي بتقديم المزيد من (الأموال الساهلة) وهو في السلطة الآن ، تاركاً (الفاتورة) في شكل مزيد من العجز والديون إلى الطرف الذي سيخلفه، حيث يتم تقييد الحكومة المقبلة وبالتالي سهولة السيطرة عليها والسيطرة على الثورة أيضا، من خلال إرهاق الجماهير باللهث وراء قفة الملاح، وبالتالي يكون القرار الإقتصادي هنا في أيدي السياسيين وليس في أيدي خبراء الإقتصاد ويعمل لصالح السياسيين وليس لصالح الشعب وبذلك يبعدون الدولة من إدارة الإقتصاد، هنا (سر) التعمد لخلق التضخم وزيادة العجز بينما يهملون ويتجاهلون عن عمد (النمو الإقتصادي) الذي يهم غالبية الشعب.
ومثلما تجاوز البدوي المعايير الاقتصادية التي يجب أن تخضع لها دراسة الأجور، وعشوائية رفع الدعم ،كذلك تتجاوز الوزيرة المكلفة قوانين الإقتصاد ومعها الطاقم الإقتصادي بالاصرار قدما في هذا النهج الكارثي، وتخضع فقط السياسات إلى أهواء النظرة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية القاصرة والباحثين عن حلول (مؤقته) وأصحاب مصالح الرأسمال. . فواحدة من شروط زيادة الكتلة النقدية هو زيادة معدل النمو الإقتصادي، والمشهد الآن بالطبع هو ليس زيادة في النمو بل انخفاض وانكماش حاد في طريقه للرقم الكارثي سالب 8.
في ظل حصيلة للصادرات ضعيفة جداً وعجز تاريخي مخيف ومتنامي، وبالتالي تعتبر هذه السياسات بمثابة تحفيز خطير للتصخم والعجز والانكماش الإقتصادي الحاد، سوف ينقل الأثر مباشرة إلى إنهيار حاد للعملة السودانية، لأن أصحاب الأموال سيحولون العملة المنهارة إلى شراء نهم للدولار ومن ثم يحدث الإنهيار الإقتصادي الكبير.