سوداني نت:
كنت أرغب في تسمية مقالي هذا ب(أسماء لاتدل على وعي)، لكنني عدلت عن ذلك بالعنوان أعلاه وإن كنت لم أزل تنازعني النفس إليه.
والمعلوم أن الأسماء دوما يكون لها أثرها على المُسَمَّى، ولعلي قرأت قبل سنوات دراسة أجريت في إحدى الجامعات الأوربية، تفيد بأنهم وجدوا تأثيرا مباشرا وواضحا من الأسماء على أصحابها من البشر، وتبين لهم أن المنظمات أو الواجهات تظل دوما رهينة بالاسم الذي اختير لها، فلاتنفك عنه مهما تغيرت العوالم والبيئة المحيطة بها، وذلك لارتهانه بطبيعة مركوزة في البشر!.
لن أطيل في مقدمتي، وسألج مباشرة إلى لب المقال فأقول:
الذي دفعني إلى الكتابة اليوم وتحت هذا العنوان بالتحديد؛ الإسم الذي أُخْتِير لأبنائنا في الأحياء وهو (لجان المقاومة) موازاة بلجان الخدمة فيها!
مقاومة مَنْ؟! وكيف؟!
فبالرغم من صدور توجيه وزاري باعتماد اسم لجان الأحياء إلا أن مسمى لجان المقاومة أصبح السائد بقدرة (قادر)!، وقادر هنا دون تعريف ب(ال)، ف(القادر) هو الله جل في علاه، والتنكير يناسب قادرنا الذي أعنيه.
بالله عليكم هل كان الذي اختار هذا الإسم في كامل وعيه؟!
ليتني بأحد علماء النفس ينبري لدراسة هذه (الذهنية) العجيبة التي تجعل شخصا أو فئاما يختارون تسمية كهذه، وفي وقت يسعى فيه الناس في السودان إلى (تغيير) الكثير من الواقع الكئيب الذي يعيشه أهلنا من بعد الثورة، أتوقع أن تكون نتيجة فحص الطبيب النفسي لتلك الشخصية أنها مصابة بمتلازمةٍ ما من متلازمات الحروب واجواء القتال والخوف المرضي fear syndrome، أو لعله سجده مصابا بمرض اضطراب الشخصية Avoidant personality disorder.
وللأسف فإن أمثال هذه الأسماء ليست جديدة علينا في السودان، فقد سبق من قبل -ولم يزل- فينا اسم الحركة الشعبية (لتحرير السودان)!،
بالله عليكم تحريره من ماذا؟!
لأن سقنا بعض العذر لاخوتنا في جنوب السودان تبريرا للإسم؛ ما الذي يجعل الإسم باقيا حتى الآن من بعد الانفصال ليضاف إليه (جناح الشمال)؟!
بالطبع إن السابر لغور الاسمين يجد لهما وصل باليسار، بل والحزب الشيوعي بالتحديد!
ومن يلج إلى قوقل يجد أن لجان المقاومة ليست سوى (صنيعة) من الحزب الشيوعي؛ أنشأها قبل سنوات من انطلاق هذه الثورة ونجاحها ثم سكت عنها وبقي الإسم في الاضابير إلى أن تذكروه واصروا جعله بديلا او موازيا للجان الأحياء!، ولاغرو ان الذي ينشئ واجهة كهذه؛ سيبقيها مرتهنة به توجيها وتنفيذا لأجندته، وكل من يظن غير ذلك ماهي إلا سذاجة وحسن ظن ليس في مكانه، والتاريخ لا يكذب، فلجان المقاومة ليست سوى ترجمة عربية للتي أنشأها الحزب الشيوعي السوفيتي مع ميلاده في الاتحاد السوفيتي، وهي التي فعلت بالمسلمين هناك الافاعيل بعد ان تم تسليحها ودعمها، وتشهد به ثلوج صحراء سيبريا التي طمرت فيه اجداث الملايين من أهلنا المسلمين حينها!
لعمري ان المشرب واحد، والفكر عجل يُشْرَبُ في العقول كما عجل بني إسرائيل، فمازال الحزب هنا يحمل ذات الإسم الذي اعتمره الحزب الأم، ولعلي أذكر بالخير اسم الأستاذ عوض عبد الرازق رحمه الله، والذي كان المسؤل الأول والمؤسس للحركة السودانية للتحرر الوطني وهو الإسم السابق للحزب الشيوعي السوداني وذلك خلال نهايات الأربعينات، الأستاذ عوض عبدالرازق هذا تم ابعاده من منصبه كسكرتير تنظيمي، وتم (ابتداع) منصب السكرتير العام، ولقد كان السبب الرئيس لابعاده هو رفضه تحويل اسم الحركة إلى مسمى (الحزب الشيوعي السوداني)، ولعمري لقد كان التبرير الذي ساقه الرجل لرفضه التسمية بالشيوعية في غاية الحكمة والعقلانية، فقد دعى إلى تحجيم الخط اليساري المتعجل الداعي للقفز فوق المراحل، سعيا إلى تحويل مسمى الحركة السودانية للتحرر الوطني إلى حزب شيوعي ماركسي لينيني مستند على العمَّال والمزارعين والمثقفين الثوريين، وقد قال الرجل الآتي:
(إن طريق التعجل السياسي ينذر بفقدان الحركة السودانية للتحرر الوطني مواقعها كطليعة ديمقراطية يلتف حولها أكثر أبناء شعبنا ذكاءاً، فمسمى الحزب الشيوعي يتعارض مع مع قيم وتراث شعبنا. وربما يدفع نحو المغامرة التي لا تراعي المراحل، وقد يحدث شرخاً عظيماً في وجدان المجتمع ويهدم كل البناء، ولعمري إنه طريق الفشل).
هذا الرجل كان نصيبه الابعاد بشكل (فظ) من الشيوعيين عام 1952 من الحزب الشيوعي، وقد كتب عبدالخالق محجوب في ذلك الآتي:
(أنتهي المؤتمر الثاني بانتصار ساحق للأتجاه الثوري داخل الحزب، وأنتخبت لجنة مركزية الغلبة فيها للتيار الثوري وللأتجاه القائل بتصعيد حركة الجماهير والأستقلالية ونبذ الجمود وطرد من الحزب كافة العناصر الخائرة والمترددة ودعاة الأنقسامات والنظرات الليبرالية البعيدة عن روح الماركسية وتوجهاتها).
انتهى قول عبدالخالق محجوب!.
واختم بالقول:
ليت -في اولئك- أمثال هذا الرجل، ليذكرهم بأن (لكل امرء من إسمه نصيب)!
ليتهم