عادل عسوم يكتب: خواطر رمضانية (الخاطرة الرابعة عشر) (عوالم التماثيل والأصنام ورجس الشيطان)! 30/14
سوداني نت:
لا أدري ماقصة الغرب على عمومه بالتماثيل والأصنام؟!
ولا أخالني أنسَ زيارة عمل إلى فرنسا، حيث استبدت بي الدهشة لمدى ارتباطهم بالمجسمات والتماثيل!
عندما وصلتُ إلى باريس لم أجد تعبيرا يصفها بأفضل من كونها مدينة تحتلها التماثيل!
قلت لنفسي وأنا اشاهد كمّ تلك التماثيل وهي تزاحم الناس حتى في غرف نومهم:
-لأن كان الشيطان قد تقمص صورة جان دارك في العديد من الدول الأوربية، فإنه هنا يتقمص كل شئ!
هؤلاء الفرنسيون أخالهم لم يَدَعوا إسماً من أسماء نجومهم في أي مجال كان إلا صنعوا له تمثالا ونصبوه في الطرقات!
وهم من قبل ذلك قومٌ يتغشّى التبرج فكرهم وأدبهم ويتعداه فيطال -حتى- منتوجهم الصناعي!
ومن يريد التثبت من ذلك عليه التمعن في شكل وهيئة المنتجات الفرنسية:
* تفاصيل المباني إن كانت منازل أو مكاتب…
* تفاصيل الملابس لديهم…
* أشكال أثاث المنزل…
* المكانس المنزلية (الهوفر)…
* تفاصيل نوافير المياه وماحولها من أشكال…
بل لقد وجدتهم يؤنثون كل شئ، حتى أشكال السيارات وتفاصيلها من الخارج والداخل ودونكم جميلتهم البيجو (الأنثى)، ومن ذلك أيضا اللغة الفرنسية المُحِيلَة للراء غَيْناً، فقد وجدتها لغة مفعمة بالأنوثة، والانوثة بالطبع مناط التعويل على الجمال دوما، إذ يقال بأن المكان إن لم يؤنث فلا يُعَوّل عليه.
هناك ثقافة تماثيل الشمع التي أضحت نهجا يتمم مراسم التكريم للشخوص في فرنسا، وقد انتقلت إلى بقية دول أوربا وكذلك أمريكا، ولعل للأمر جذور لاتنفك عن حياتهم الدينية والروحية، إذ للصور والتماثيل تاثيرٌ كبير عليهم والناس هناك يبتدرون أيام الأسبوع بالتطلع حُبّاً إلى صور وتماثيل (جيسس) المصلوب وميري على جدران الكنائس كل يوم أحَد.
ولا أخال إنسانا يلج إلى كنيسة فيري صورة أو تمثالٍ لجيسس المصلوب الاّ وتهتز مشاعره رهبة!، ولقد تملكني ذلك عندما زرت أمريكا وشاهدت تماثيل رؤس رؤساء أمريكا الأربع ابراهام لينكولن، وثيودور روزفلت، وتوماس جيفرسون، وجورج واشنطن في مدينة كيستون، وذلك عندما زرتها خلال رحلة عمل لولاية داكوتا الجنوبية، وكذلك لن أنسَ قصتي مع تمثال (آيروس) الكائن في ساحة بيكاديللي في مدينة لندن، كانت نافذة غرفتي في فندق (رويال كراون) تطل علي التمثال مباشرة، وقد تملكني احساس بالضيق وعدم الراحة منذ صباح وصولي عندما أطللت من نافذة غرفتي فرأيت التمثال، وخلال منتصف الليل إذا بطرق عنيف على واجهة النافذة، فنهضت من نومي فزِعا، واتصلت بالاستقبال وأخبرتهم بالأمر، ولم يتأخر مسئول الأمن، أتاني مسرعا وفتح النافذة فإذا بنا نجد غُربانا (جمع غراب) قبيحة الشكل ونتنة الرائحة تتجمع كلها على رأس التمثال، وقد حط البقية منها على نافذة غرفتي وبعض نوافذ الغرف الأخرى بالجوار، ماكان مني إلا أن نظرت إلى التمثال -الذي تنعكس عليه أضواء لوحات اعلانات كبيرة محيطة به شذرا، فابتسم مسئول الأمن عندما رأى انزعاجي وقال:
-ياسيدي هذا التمثال يرمز إلى إله الحب!
فنظرت إليه جاهدا رسم إبتسامة على وجهي دون جدوى، فقد تمنيت حينها لو إبراهيم عليه السلام أعارني ذات الفأس التي حطم بها أصنام قومه لأفعل ذلك بآيروس 🙂
وإذا بي اتذكر هذه الآية الكريمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} 90 المائدة.
لقد ربط ربنا جل في علاه الأنصاب والأزلام مع الخمر، والخمر كل ما خامر العقل فغطاه وعوقه عن عمله،
والميسر هو القِمار، وقد نُقِل عن الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّه قال: (الميسر القمار)، بينما يرى آخرون بأنّ القمار أعمُّ من الميسر، والميسر أيضا له تأثيره على العقل إذ يجمع الناس بأن الذي يسعى عليه لايستطيع الانفكاك عنه وكأنه يصبح مخامرا للعقل تماما كالخمر فيسلم المرء ويضطره إلى سلوك وأفعال تنافي العقل الرشيد!
ونخلص إلى لفظ (الرجس)، فمن معانيه في اللغة الحبس والتعويض، وهو كذلك المستقذر القبيح من من العمل.
ولعل الآية التالية لها تفسر لنا مراد الشيطان من هذا الرجس المؤثر والمعوق لعقول المؤمنين:
{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} المائدة91
فالقياس هنا على الخمر، وهي التي أتى أمر الله باجتنابها تدرجا:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ….} النساء 43
والقياس على الخمر مرهون بالآتي:
1- إيقاع العداوة والبغضاء (وهذا مرتهن بالعقل).
2- الصد عن ذكر الله والصلاة (وذلك أيضا مرتهن بالعقل لدى المؤمن المميز).
والخطاب هنا للمؤمن، والمؤمن حري به ان يكون مسلِّما أمره لله لايشغله ماينأى به عن إلاخبات إلى الله من صوارف توحيده وطاعته، والمعلوم أن العقل في الإنسان مناط التكليف، بغير الحيوان الذي يعتمد على الغريزة، وهنا فإن الله جل في علاه يريد لنا بأن نحفظ عقولنا من ان يتغول عليها كل مايخامرها، فينأى بها عن الاستقامة على أمره، كي نحقق المراد منا خلال حراك حياتنا الدنيا دون إشراك بالله:
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا}. النساء 116
وعليه فإن الأصنام والأزلام ليست حجارة فحسب، إنما ثقافة وتديّن ونمط انتماءٍ وعيش، وهي استلاب من الدرجة الأولى:
أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال في قوله تعالى:
{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً} نوح 23
قال: هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابًا وسموها بأسمائهم، ففعلوا، ولم تعبد، حتى إذا هلك أولئك، وتنسخ العلم عُبدت).
قال ابن القيم رحمه الله: “قال غير واحد من السلف، لمّا ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، ثم حال الأمد فعبدوهم، فحينئذ وقع الشرك في الخلق، ولم يكن معروفًا من قبل:
{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} البقرة 213.
{أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّار} 3 الزمر
يذكر سبحانه مقابل إخلاص العبادة لله، فيقول: { وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } قائلين ومبررين موقفهم حين تبيَّن لهم كذبهم في عبادة من دون الله، وحين تقول لهم إن هذه الآلهة لا ترى ولا تسمع ولا تضر ولا تنفع، وحين تضيق عليهم الخناق يقولون {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ} الزمر: 3.
والذي يُقرِّبك إلى الله لا بُدَّ أنْ يكون مشهوداً بالتبعية لله تعالى، وهذه الآلهة التي تُعبد ليست مشهودة بالتبعية لله تعالى، بل هي من صُنْعكم أنتم ومن نَحْت أيديكم، وإذا أطاحت به الريح أقمتموه في مكانه، وإذا كسر ذراعه أصلحتموه.
فرنسا لمن لايعلم هي التي أهدت تمثال الحرية إلى أمريكا…
فثقافة التماثيل فيها ظاهرة لا تنأى عنها عين كل قادم اليها، بل إني أكاد أجزم بأنها قد أضحت ممارسة يومية لأهل تلك البلاد…
وعلى ذكر الصور والتماثيل أقول:
لن أنس ماحييت صورة للسيد علي الميرغني، نشأتُ فوجدتها معلقة على جدار ديوان جدي ودعسوم، لكأنها أمامي الآن!
الشال الملفوف حول عنق السيد علي الميرغني بعناية…
والنظرة!…
يالها من نظرة!!
انها نظرة ان خلتها باسمة فهي كذلك، وان خلتها غير ذلك فهي كذلك!…
ترفع بصرك إلى الصورة فتخالها تراقبك، فلا تلبث الاّ أن تتغشاك الرهبة من شعر رأسك الى أخمص قدميك!
ولا أدري حينها لِمَ تذكرت حال امرأة العزيز وهي تراود يوسف عليه السلام، وإذا بها تضع خرقة على عيني تمثال بجوار فراشها خشية وحياء عن الذي تنوي فعله!، وإذا بنبي الله يوسف عليه السلام يقول لنفسه:
-ذاك لعمري برهانٌ بانّ ربي أولى بأن أتّقيه…
[email protected]