سوداني نت:
لا تزال الجوقة البلهاء من مؤيدي التدخل الأممي في بلادنا عبر طلب رئيس الوزراء ، في ضلالها القديم ، تروج لاستجلاب البعثة السياسية الدولية ويصرون في إستحمار غريب ، إن مقدم البعثة سيحول السودان إلى جنة من الديمقراطية والحكم الرشيد و الاستقرار وستنبت لهم أرض السودان من فومها وعدسها و بصلها وغثائها وكل ما يشتهون ، وستمتليء الارض عدلاً بعد أن ملئت جوراً ، وستكون بلادنا واحة للديمقراطية في أفريقيا عندما يعمل النطاسي الأممي و بعثته مبضعه في جسدها المنهك ، فيشتد عودها وتأتلق كما القرط على الاذن والعنق ، وتخرج الحسناء كأنها البدر ليلة تمامه ..
لا يعلم كثير من مؤيدي التدخل الخارجي والاستعمار الجديد في ثيابه الخادعة ، أمرين إثنين لا ثالث لهما ، إن نهج موظفي الأمم المتحدة و وكالاتها وهؤلاء هم من يديرون بلادنا اليوم ، هم شركاء بحكم النظام والسلوك و منظومة الفساد الأممي المعروف في المنظمة الدولية ، هو نهج تآمري يتصل بطبيعة الأمم المتحدة ونظامها الذي يقوم على صناعة الازمات أو استغلال الازمات وتصوير الحالات و تقديمها للمجتمع الدولي ، لتسهيل صرف الاموال التي يقدمها المانحون وتستقطع من ميزانية المنظمة الدولية أو الجهات الممولة ، ثم تذهب فوائد العملية المراد تنفيذها إلى مصالح مرسلة ومصروفات ادارية وتغطية لاحتياجات الموظفين الدوليين ، وكثير من حالات الأمم المتحدة وتدخلاتها في دول العالم الثالث أثيرت حولها هذه الاتهامات بالفساد والاستغلال البشع للشعوب و ضحايا النزاعات و الحروب والكوارث .
ففي حالة قوات اليوناميد في دارفور ، هل تساءل مؤيدو البعثة الجديدة التي طلبها حمدوك ، كم صرفت اليوناميد ؟ و ما هي المبالغ التي استفاد منها مواطن دارفور أو النازحين ، 80% من ميزانية بعثة اليوناميد تذهب مصروفات ادارية وتجهيزات ورفاهية للقوات ـ فمثلاً ماهي نوع وطبيعة المنقولات التي تصل من قاعدة ( برينديزي – Brindisi ) بايطاليا وهي قاعدة تابعة للأمم المتحدة وتعتبر أكبر قاعدة ومخزن للدعومات اللوجستية في العالم يتم منها توفير احتياجات بعثة و قوات اليوناميد التي تكلف في العام ما يقارب النصف مليار دولار ؟ بينما يتم استئجار طائرات اليوناميد من دولة غربية أخرى بستمائة مليون دولار في السنة تحرص الدول الغربية والاعضاء الدائمون في مجلس الأمم في مثل هذه العمليات التابعة للأمم المتحدة ، على اغتنام الفرص في التعاقدات لتوفير احتياجات البعثات الأمم و توفيرها وتعين موظفيها و ضباطها من الجنسيات المحددة حسب نوع المصالح المتبادلة بين هذه الدول ، وتجري في الغالب عطاءات مغلقة في مجلس الامن الدولي لاعطاء العقودات و التعاملات المختلفة ، وسبق أن أعطى شركة يملكها نجل الامين العام السابق للامم المتحدة كوفي عنان عقدا بتوفير احتياجات إحدى البعثات التابعة للأمم المتحدة في إحدى البلدان الافريقية .
الشيء الثاني المهم جداً أن قيادات الدول والحكومات من الموظفين السابقين في الأمم المتحدة والغون حتى النخاع في هذا الفساد الكبير الذي ظلت يدور الهمس والجهر به داخل الأمم المتحدة ، مما جعل الحديث عن ضرورة التحقيق فيه داوياً ، والدعوة لاصلاح الأمم المتحدة امراً ملحاً يرد في خطاب القادة ورؤساء الدول في خطاباتهم أمام الدورات المتلاحقة للجمعية العامة .
عندما يقوم هؤلاء الموظفون المرتبطون بالدوائر الفاسدة في الأمم المتحدة أو تحوم حولها شبهات مثل إدارة حفظ السلام التي دائما ما يكون المسؤول الأول فيها شخص أمريكي الجنسية ، عندما يقومون بهذه الخدمات في جانبها المنفعي قبل السياسي هم يخدمون مصالحهم الذاتية ويتقاسمون الريع مع رؤسائهم ومن هم داخل المنظومة وعصابات الفساد الأممي ، أما الجانب السياسي فهم في الغالب مرتبطون بدوائر صنع القرار العالمي وشبكاته السرية ومنظمات التي تعمل في الخفاء لإدارة العالم ، وهذا لم يعد أمراً مخفيا بل حقائق واقعة كشفت عنها الكثير من التقارير و المعلومات والوثائق والكتب التي صدرت والاعترافات التي نشرت من قبل . ومن يطلع على أسرار الأمم المتحدة واغوارها السرية و بالوعاتها يعرف حجم التلاعب على الشعوب وخديعتها ، فالقوى العظمي في العالم والمتحكمة في القرار الدولي تستخدم الأمم المتحدة لتمرير أجندتها بعد أن ربطت بها الدول ولا تستطيع منها فكاكاً ، وتصنع هذه الدوائر الحروب والكوارث والأزمات الدولية حتى يظل الصنبور مفتوحاً ومتدفقاً وحتى تمر اجندات كثيرة تبدأ وتنتهي بمصالح دولية عليا و دوافع حضارية أخرى كتنميط شعوب العالم وصنع الحكومة العالمية التي ستغطي العالم كله .
و هنا لابد من الإشارة إلى أن ورطة دخول قوات تحت مظلة الأمم المتحدة من واقع التجارب العالمية في أية دولة من دول العالم، ليس من السهل خروجها. ففي تجارب حفظ السلام التي نفذتها الأمم المتحدة وهي بضع وثلاثين تجربة خلال الخمسين سنة الماضية، لم تخرج القوات الأممية إلا في حالات قليلة من البلدان التي دخلتها. فهناك طريقان لا ثالث لهما في معالجة خروج بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، إما بطرد القوات بشكل مباشر كما فعل الرئيس الإريتري أسياسي أفورقي مع بعثة الأمم المتحدة التي دخلت بلاده بعد النزاع والحرب مع إثيوبيا، أو عن طريق توفير البديل كما فعل الرئيس التشادي إدريس دبي مع بعثة «المينور كات» التي دخلت لحفظ السلام في مناطق شرق تشاد في العام 2007م لحماية المواطنين من النزاعات، وتوفير الحماية للاجئين الذين دخلوا الأراضي التشادية من نيران الصراع المسلح في إفريقيا الوسطى و دارفور، واستطاع إدريس دبي أن يوفِّر قوات من بلاده وتدريبها تدريباً كافياً في مجال حماية النازحين واللاجئين، وتوفير و حفظ الأمن، وكانت هذه القوات بديلاً للقوات الأممية التي خرجت بعد أربع أو خمس سنوات فقط من دخولها شرق تشاد.
ومن الضروري أن نشير إلى أن ما تقوله حكومة السيد حمدوك أو تركيبة السلطة الحاكمة من مدنيين وعسكريين فيه تضليل للشعب السوداني واستحمار و استعباط له ، فليس هناك بعثة سياسية لها ولاية على كامل التراب السوداني ولا تنتقص من السيادة الوطنية ، ثم إن تصريحات مسؤولي الأمم المتحدة وبعض ممثلي الدول الغربية الكبرى يشيرون مباشرة لقوات دولية ترافق البعثة السياسية وتكون تحت إمرتها و هي تقوم بتشغيلها وتتولي اصدار التعليمات بالجانب العملياتي لهذه القوات التي ستضاف إلى قوات اليوناميد البالغ عددها بضع و عشرون ألف التي ألغت حكومة حمدوك الاستراتيجية الموضوعة و الاتفاق الذي تم في اجتماعات فريق العمل المشترك بين حكومة السودان والأمم المتحدة لخروج اليوناميد نهائياً من السودان بحلول يونيو 2020 م .