آخر الليـلمقالات
حــــوار!!
< وحوار..
< والحوار ما يقوده الآن هو أن المجتمع الآن يتبدل بعنف.. وأن العالم يتبدل.
< ولما كانت الوجوه تتعلق بالمتحدثين في قاعة الصداقة أمس كانت وجوه إدارة الشرطة في الخرطوم تنظر في ذعر إلى أوراق جريمة تقع أمس.
< جريمة تنذر بشيء بعيد.
< وفي الحكاية طالبتان.. وركشة.. ومخدر.. وعربة تحملهما ومزرعة شمال الخرطوم.
< سرد خطوات الجريمة يذهب إلى عمل دقيق منظم للجريمة تشترك فيه بعض مواقف الركشة.. وبعض الحافلات وبعض محلات الغسالين.. ومحلات خدمة العربات.. والكناتين.. وعربات نقل الخضار.. وغسل العربات.. و.. و..
< العيون تجد أن المحلات هذه تصبح شبكة للرصد والمتابعة.
< والعيون تجد أن البيوت التي تعيش أجواء الستينيات تصبح هي الإغراء الأول على الجريمة.
< وأن بيوت الطالبات حين تغيب الطالبات عنها يظن الأهل أن الأمر هين.. وأن البنت عند خالتها أو المواصلات.
< بينما الأمر كان ــ في اللحظات ذاتها ــ يشهد اغتصاباً يدمر البيوت.
< والحوار في القاعة الآن يصبح حواراً حين يعرف أنه يحدث عن «مجتمع جديد.. يعيش وسط غابة جديدة.. في عالم جديد».
«2»
< وبعض الحوار في السنوات الأخيرة كان هو.
< عام 1967م.. الهزيمة تجعل السودانيين ــ مثل غيرهم ــ يتدفقون في هياج يطلبون من الدولة تسليحهم.
< والمحجوب الذي يعرف أن السلاح هناك ليس هو البندقية.. ويعرف استحالة أن يقول ذلك للجمهور الهائج.. المحجوب يصنع شيئاً للحوار.
< المحجوب يجعل الجماهير المهتاجة تمشي في طوابير عسكرية.. بحجة التدريب.
< وأسبوع والإرهاق.. والشعور بعدم جدوى الأمر.. يجعل الناس يتفرقون.
< الحوار كان هو هذا.
< مخدر.. لكنه ليس بحثاً عن الحل.
«3»
< اليابانيون بعد الهزيمة ما فعلوه هو أنهم أطلقوا الأسئلة.
: لماذا هزمنا.
< وبحثوا ــ ووجدوا ــ وانطلقوا.
< ولما كان مكارثي جالساً على ظهر سفينته ينتظر الإمبراطور للتوقيع ــ وللإذلال ــ وكان الإمبراطور يمشي في الطرقات والناس يسجدون له.. كان من بين الساجدين مهندس يقرر شيئاً.
< المهندس ــ مع آخرين ــ ينطلق لتقليد الأسلحة والعربات والأدوات التي يصنعها الغرب.
< التقليد لم يكن هو ما يذهب باليابان إلى حيث هي الآن.
< ما ذهب باليابان كان هو السؤال الصحيح ــ ثم الإجابة الصحيحة لمشكلة التخلف.
< البداية كانت اعترافاً يابانياً بأن «العصر الماضي ــ انتهى».
«4»
< والسودان حفرة.
< لا.. لا.. السودان حفرة.. والسودان في إفريقيا.. السودان إذن حفرة في حفرة.
< لا.. لا.. السودان حفرة.. والسودان في إفريقيا وإفريقيا حفرة وإفريقيا في العالم الثالث.. والعالم الثالث حفرة.. السودان إذن حفرة في حفرة في حفرة.
< بعض تظارف الستينيات كان هو هذا
< لكن.. التظارف هذا كان من يطلقه هم المعاشيون وهم جالسون في العصريات أمام بيوتهم.
< والبيوت تصميمها ومواد البناء فيها هي ذاتها منذ قرون.. والملابس هي ذاتها.. والمائدة السودانية هي ذاتها منذ قرون.
< وكل شيء هو هو.. ولا أحد يفكر في ابتكار شيء.
< والتخشب السياسي مثلها.
< وعلاج المشكلات مثلها.
< وحسن نجيلة الذي كان يكتب يومئذٍ «ذكرياتي في البادية» يقص كيف أن إعرابياً يأتيه ملهوفاً ــ وحسن يومئذٍ معلم مدرسة في بادية الكبابيش.
< والرجل الملهوف يطلب دواءً لزوجته المريضة جداً.
< ونجيلة ــ بحيلة العاجز أمام الملهوف يعطيه حبة أسبرو.. والرجل ينطلق وكأنه ملك دواء الدنيا كلها.
< علاج كل شيء في السودان في الستينيات كان شيئاً يجري ما بين أسلوب المحجوب وأسلوب حسن نجيلة.. الأسلوب الذي يجب أن يبدأ الناس الآن بإبعاده تماماً.. حتى يبدأ حوار له عقل.
«5»
الحوار ــ الذي يبعثه الشعور بالأزمة ــ ليس شيئاً سودانياً.
< والظاهرة الآن التي تتدفق هي ظاهرة سيل الحوار الذي يتدفق من كل الشاشات العربية.
< والبحث عن حل.
< والطرف الآخر ــ العدو ــ يرى ما يجري ويكمل مهمته.
< وكيري ــ جولته الآن في الشرق الأوسط تذهب لإقامة شاهد للقبر فوق قبر قضية فلسطين.
< وجملة صغيرة تجعلك أنت شاهداً.
< وأحد المحاورين يقول إن
: القمة العربية الأخيرة التي لا تقول كلمة عن فلسطين وجولة كيري في المنطقة كلاهما تأكيد على أن الهزيمة المستمرة والإرهاق الطويل أشياء تجعل العرب الآن لا يطيقون سماع كلمة «قضية فلسطين».
< بينما فوز الإسلاميين في تركيا يقول شيئاً آخر.
< فوز الإسلاميين في انتخابات تركيا هو جملة تقول لليسار وأتباعه.
: تقولون إن حزب الإسلاميين فاسد؟.. نعم.. تقولون إنه مجرم ومدمر.. و.. و..؟؟ نعم.. لكننا ننتخبه لأنه مع هذا ــ أفضل منكم.
< حزب الإسلاميين في تركيا ينجح ويطرد الأتاتوركية ويجمع تسعة أعشار الشعب حوله لأنه بدأ الحوار بشيء واحد.
< حزب أردوغان يضع الأسئلة الصحيحة.
< ويضع الإجابات الصحيحة.
< ويدع تنفيذها لمن يعرفون.
< هذا هو الحوار.
< والحوار ما يقوده الآن هو أن المجتمع الآن يتبدل بعنف.. وأن العالم يتبدل.
< ولما كانت الوجوه تتعلق بالمتحدثين في قاعة الصداقة أمس كانت وجوه إدارة الشرطة في الخرطوم تنظر في ذعر إلى أوراق جريمة تقع أمس.
< جريمة تنذر بشيء بعيد.
< وفي الحكاية طالبتان.. وركشة.. ومخدر.. وعربة تحملهما ومزرعة شمال الخرطوم.
< سرد خطوات الجريمة يذهب إلى عمل دقيق منظم للجريمة تشترك فيه بعض مواقف الركشة.. وبعض الحافلات وبعض محلات الغسالين.. ومحلات خدمة العربات.. والكناتين.. وعربات نقل الخضار.. وغسل العربات.. و.. و..
< العيون تجد أن المحلات هذه تصبح شبكة للرصد والمتابعة.
< والعيون تجد أن البيوت التي تعيش أجواء الستينيات تصبح هي الإغراء الأول على الجريمة.
< وأن بيوت الطالبات حين تغيب الطالبات عنها يظن الأهل أن الأمر هين.. وأن البنت عند خالتها أو المواصلات.
< بينما الأمر كان ــ في اللحظات ذاتها ــ يشهد اغتصاباً يدمر البيوت.
< والحوار في القاعة الآن يصبح حواراً حين يعرف أنه يحدث عن «مجتمع جديد.. يعيش وسط غابة جديدة.. في عالم جديد».
«2»
< وبعض الحوار في السنوات الأخيرة كان هو.
< عام 1967م.. الهزيمة تجعل السودانيين ــ مثل غيرهم ــ يتدفقون في هياج يطلبون من الدولة تسليحهم.
< والمحجوب الذي يعرف أن السلاح هناك ليس هو البندقية.. ويعرف استحالة أن يقول ذلك للجمهور الهائج.. المحجوب يصنع شيئاً للحوار.
< المحجوب يجعل الجماهير المهتاجة تمشي في طوابير عسكرية.. بحجة التدريب.
< وأسبوع والإرهاق.. والشعور بعدم جدوى الأمر.. يجعل الناس يتفرقون.
< الحوار كان هو هذا.
< مخدر.. لكنه ليس بحثاً عن الحل.
«3»
< اليابانيون بعد الهزيمة ما فعلوه هو أنهم أطلقوا الأسئلة.
: لماذا هزمنا.
< وبحثوا ــ ووجدوا ــ وانطلقوا.
< ولما كان مكارثي جالساً على ظهر سفينته ينتظر الإمبراطور للتوقيع ــ وللإذلال ــ وكان الإمبراطور يمشي في الطرقات والناس يسجدون له.. كان من بين الساجدين مهندس يقرر شيئاً.
< المهندس ــ مع آخرين ــ ينطلق لتقليد الأسلحة والعربات والأدوات التي يصنعها الغرب.
< التقليد لم يكن هو ما يذهب باليابان إلى حيث هي الآن.
< ما ذهب باليابان كان هو السؤال الصحيح ــ ثم الإجابة الصحيحة لمشكلة التخلف.
< البداية كانت اعترافاً يابانياً بأن «العصر الماضي ــ انتهى».
«4»
< والسودان حفرة.
< لا.. لا.. السودان حفرة.. والسودان في إفريقيا.. السودان إذن حفرة في حفرة.
< لا.. لا.. السودان حفرة.. والسودان في إفريقيا وإفريقيا حفرة وإفريقيا في العالم الثالث.. والعالم الثالث حفرة.. السودان إذن حفرة في حفرة في حفرة.
< بعض تظارف الستينيات كان هو هذا
< لكن.. التظارف هذا كان من يطلقه هم المعاشيون وهم جالسون في العصريات أمام بيوتهم.
< والبيوت تصميمها ومواد البناء فيها هي ذاتها منذ قرون.. والملابس هي ذاتها.. والمائدة السودانية هي ذاتها منذ قرون.
< وكل شيء هو هو.. ولا أحد يفكر في ابتكار شيء.
< والتخشب السياسي مثلها.
< وعلاج المشكلات مثلها.
< وحسن نجيلة الذي كان يكتب يومئذٍ «ذكرياتي في البادية» يقص كيف أن إعرابياً يأتيه ملهوفاً ــ وحسن يومئذٍ معلم مدرسة في بادية الكبابيش.
< والرجل الملهوف يطلب دواءً لزوجته المريضة جداً.
< ونجيلة ــ بحيلة العاجز أمام الملهوف يعطيه حبة أسبرو.. والرجل ينطلق وكأنه ملك دواء الدنيا كلها.
< علاج كل شيء في السودان في الستينيات كان شيئاً يجري ما بين أسلوب المحجوب وأسلوب حسن نجيلة.. الأسلوب الذي يجب أن يبدأ الناس الآن بإبعاده تماماً.. حتى يبدأ حوار له عقل.
«5»
الحوار ــ الذي يبعثه الشعور بالأزمة ــ ليس شيئاً سودانياً.
< والظاهرة الآن التي تتدفق هي ظاهرة سيل الحوار الذي يتدفق من كل الشاشات العربية.
< والبحث عن حل.
< والطرف الآخر ــ العدو ــ يرى ما يجري ويكمل مهمته.
< وكيري ــ جولته الآن في الشرق الأوسط تذهب لإقامة شاهد للقبر فوق قبر قضية فلسطين.
< وجملة صغيرة تجعلك أنت شاهداً.
< وأحد المحاورين يقول إن
: القمة العربية الأخيرة التي لا تقول كلمة عن فلسطين وجولة كيري في المنطقة كلاهما تأكيد على أن الهزيمة المستمرة والإرهاق الطويل أشياء تجعل العرب الآن لا يطيقون سماع كلمة «قضية فلسطين».
< بينما فوز الإسلاميين في تركيا يقول شيئاً آخر.
< فوز الإسلاميين في انتخابات تركيا هو جملة تقول لليسار وأتباعه.
: تقولون إن حزب الإسلاميين فاسد؟.. نعم.. تقولون إنه مجرم ومدمر.. و.. و..؟؟ نعم.. لكننا ننتخبه لأنه مع هذا ــ أفضل منكم.
< حزب الإسلاميين في تركيا ينجح ويطرد الأتاتوركية ويجمع تسعة أعشار الشعب حوله لأنه بدأ الحوار بشيء واحد.
< حزب أردوغان يضع الأسئلة الصحيحة.
< ويضع الإجابات الصحيحة.
< ويدع تنفيذها لمن يعرفون.
< هذا هو الحوار.