رصف الزجاج.. أو.. كيف يقتلوننا الآن
< «آهـ يا حبيبي.. يا لحلاوة خديك يا حبيبي.. تعال يا حبيبي»
< أغنيات العالم منذ الإنسان الأول هي هذه.. لكن أغنية جديدة شهيرة تظهر الآن في العالم
< الأغنية يقول فنانها
: شكراً.. شكراً.. لك.. وأنا لا أعرفك.. شكراً لأنك سمحت لي بالانتقال إلى المسار الآخر على الطريق السريع.. لما كنت أقود سيارتي
< الأغنية ما يصنعها هو الزحام المجنون اليوم في العالم.. والقتال المجنون.. قتال كل أحد لكل أحد
< وكلمة «زحام» ما يرسمها هو إحصائية تنتجها الأمم المتحدة.
< وفي الإحصائية
«11.800» أحد عشر ألف وثمانمائة عام نصنع المليار الأول من البشر على الأرض
< بعدها «130» مائة وثلاثون عاماً تنتج المليار الثاني من البشر
< بعدها «30» ثلاثون عاماً فقط تنتج المليار الثالث من البشر على الأرض
< بعدها «15» خمسة عشر عاماً تنتج المليار الرابع من البشر على الأرض
< بعدها «12» اثنا عشر عاماً تنتج المليار الخامس من البشر على الأرض.
< والصورة في الإحصائية تصبح مذهلة تحت العيون.. والإحصائية تقول إن:
الأرقام هذه تعني أنه وفي كل عام.. عام واحد.. تضاف «ثلاث ولايات متحدة أمريكية» لسكان الأرض
«2»
< والزحام يصنع القتال على الموارد
< والموارد عندنا نحن..
< بينما نحن..؟! بينما نحن؟!
«3»
< والإنسان وكل إنسان.. يقاتل حين يشعر بالخطر
< والشعور هذا خطر.. وابتكار «دواء» له يذهب الآن بعيداً
< والدواء الذي يبتكر ويعمل بنجاح هو
: إبعاد العيون عن «الفعل» بحيث تتعلق «بالفاعل»
< والأسلوب هذا ـ الذي يقوم على دراسة بديعة للنفس البشرية.. يعلم أن الناس ينظرون إلى الحكايات.. ويتلهون بها عن الحقائق الباردة.
< بينما الحقائق الباردة.. وحدها.. وهي ما يصنع الحياة أو الموت
«4»
< والسودان مثل الآخرين يبحث عن الحلول لمشكلاته
< والبحث.. كل بحث.. ينظر عادة إلى الأحداث.. وإلى «ماذا حدث ولماذا.. ومن فعل» استعداداً لما «سوف» يحدث
< وأحداث هناك وشخصيات تزدحم تحت العيون
< لكن العيون تذهل عن الأحداث وتتشبث بالشخصيات
< والإثارة.. الإثارة فقط.. وليس الرواية.. هي ما يجعل العيون تنزلق إلى الهاوية وتعجز.. بالتالي.. عن العثور على حل
«5»
< وفي اليوم الأول من أيام البحث عن حل/ يوم خطاب الرئيس/ نلمح منصور خالد.. يجلس صامتاً
< ومنصور هو النموذج المعملي للشخصيات التي ينغمس الحديث فيها حتى ينسى الحلول التي يبحث عنها
< ومنصور.. مدير مكتب عبد الله خليل.. كان هو من يحمل خطاب عبد الله خليل إلى الفريق عبود ليقوم بانقلابه.
< عبود وعبد الله خليل ومنصور وألف آخرون كلهم يبحث عن الحلول
< والقارئ الكريم الآن/ والذي يبحث معنا الآن عن حل/ لعله تجعله الإثارة يشتهي أن نمضي في الحديث عن منصور خالد.. وينسى البحث عن الحلول.. القارئ يصبح نموذجاً لما تفعله الإثارة بالنفس.
< والرشيد الطاهر.. الذي يرقد على الأرض فوق سجادة يبسطها وهو في الفنادق الفاخرة في العالم. والذي يتقلب في كل الأحزاب ويصبح من أغرب الشخصيات.. الرشيد هذا كان يبحث عن الحلول لمشكلات السودان.. الحلول التي كان يمكن أن نحكيها.
< لكن الحديث ينصرف عما «فعل» الرشيد في بحثه هذا ويتحول ليجعل من فيلم الرشيد الطاهر متعة رائعة.
< والامتاع هذا يغري بإيراد الحديث عن ألف شخصية.
< وسرد الحكايات يجعلنا ننزلق إلى الهاوية ذاتها التي تقود الناس بعيداً عن الحلول
«6»
< والهاوية التي يتقلب الناس فيها منذ عام هي
< ذهاب القادة الخمسة من الوطني «علي عثمان ونافع و..و…»
< قبلها انقلاب قوش
< بعدها انفصال غازي
< بعدها تمرد موسى
< بعدها محكمة الأقطان
< بعدها الحوار الوطني
< بعدها.. بعدها.. قبلها.. قبلها
< والقضايا ضخمة وساخنة.. وملحاحة لكن العيون هناك تذهل عن الحدث وعن «ماذا حدث ولماذا.. وما الذي يجب أن يحدث» وتنزلق إلى الحديث عن الصادق والترابي.. وعلي عثمان.. و…
< وكلهم يصبح بطلاً مثيراً لفيلم مثير
< والفيلم لا ينقصه إلا «البطلة» الجميلة التي يحتضنها البطل في نهاية الفيلم.
«7»
بينما العالم اليوم يندفع إلى المعركة التي محاصها هو السودان.. السودان نعم
< حيث.. الماء والموارد.. والطاقة.
< ومضلل تماماً أن نقول إن المعركة «قادمة».. بينما المعركة تلتهم السودان الآن بالفعل
< والعام الماضي نحذر من أن «شحنات هائلة من المخدرات سوف تتدفق إلى الس ودان.. وعبر بورتسودان»
< وبطبيعة البحث عن الإثارة العيون تذهب إلى أن الأمر ليس أكثر من معركة بين إسحق فضل الله وبين والي البحر الأحمر.. وتذهل عن البحث عن جذور الخطر.
< والمرايا المهشمة تعكس أغرب الصور لما يسقط عليها
< والنفوس المهشمة مثل ذلك
< ونعيد رصف الزجاج المهشم إن كان يمكن رصف الزجاج المهشم.