سوداني نت:
كان الإسلاميون والشيوعيون يهتمون بطلاب المدارس الوسطى قديماً باعتبار أنهم يمثلون الكادر الطليعي للأحزاب الايدولوجية، ولذلك كانوا يدفعون كوادرهم المتمهرة للمدارس الوسطى والثانوية من الذين كانوا يجيدون موهبة الاستقطاب وهي ما تسمى تنظيمياً بعملية ( التجنيد). وكانوا دائما يوجهون أنظارهم صوب الطلاب أصحاب التفوق الأكاديمي والثقافي والرياضي، وكل أصحاب المواهب التي تستقطب المواليين.
كنا ثلاثة من الأصدقاء في المدارس الوسطى يجمع بيننا اهتمام خاص بالكتابة والخطابة والشعر والمسرح والموسيقى، ولذلك كنا عرضة لعمليات الاستقطاب وفي كل مرة كانت تضيق علينا حلقة الانتماء.
وكان لنا أستاذ لغة انجليزية ساخر نلجأ اليه في الملمات العامة والخاصة. ذهبنا إليه يوماً وشرحنا له مأزقنا وطلبنا منه الفتوى. فقال لنا بطريقته الماتعة في السرد والنصيحة: إني أرى يا أبنائي أن أهم حزب يصلح للسودانيين هو حزب (الملاريا الديمقراطي) واختصاره (حمد)
قلنا له في دهشة: ولماذا هذا الحزب العجيب المرتبط بهذا الداء اللعين؟
فقال بسخريته المعهودة: لأن لذعة أنثى الأنوفلس لا تفرق بين جلدٍ أبيض أو جلدٍ أسود أو جلدٍ أسمر، كما أن حمى الملاريا لا تفرق بين إخواني وشيوعي وأنصاري وختمي ومسلم ومسيحي ووثني، فالجميع أمامها سواسية كأسنان المشط.
وكما تعلمون أن مقابر شرفي والبكري وحمد النيل هي أوسع ساحة وتجربة سودانية لتطبيق اشتراكية المؤمنين والعصاة.
دخلنا بعد فتواه في فاصل من الضحك والتعليقات، ورغم تعاقب السنوات إلا أن طرحه ظل مستكناً في خاطري. والمتأمل في الحالة السودانية الراهنة الملتحفة بثوب الفقر والجهل والمرض واليأس يجد أن الشعار الوحيد الموحد هو في إحياء فكرة حزب الملاريا الديمقراطي (حمْد) بسكون الميم
وليكن شعاره المعتمد هو بيت المتنبي المدهش:
كفى بكَ داءً أنْ ترَى الموْتَ شافِيَا
وَحَسْبُ المَنَايَا أنْ يكُنّ أمانِيَا