سوداني نت:
لا أعني بهما مدينتي لندن وباريس كما كتب شالز ديكينز في كتابه الجميل A Tale of Two Cities
،انما هي سياحة في اشعار شاعرين فخيمين من شعرائنا الافذاذ، هما استاذنا اسماعيل حسن (ود حدالزين) رحمه الله، والدكتور محمد بادي (ود بادي)…
ألا ارحم الله اسماعيل حسن، فقد كان شاعرا مُجيدا وُهِبَ الشِّعرَ من أكنانه،
ولعمري ان كانت ومافتئت قصيدته (وا أسفاي) ترفدنا بفيض انوارها إلى يومنا هذا؛ فإن قصيدته (ياعابرة) تفعل بي الأفاعيل كلما ساقتني مراكب شوقي الي لجتها، ولا أعلم السبب في كونها ظلت مغمورة دون نشر وطَرْق!…
ياعــــابرة
أسماعيل حســـن
بـسـافــر لـيـكــى زى زولــــن
تـــخـــنـــقــــو الــــعــــبـــــره
ما بيقدر يوصف حالو بالكلمات
ويــــبــــقــــى الــــــشــــــوق
مــــــــــــدن مــــطــــمــــوره
فــى عـمـق البعـيـد مــا بـايـنـه
مــــــــــــــا مــــنـــــظـــــوره
للـسـارحـيـن ورا ..الـغـيـمـات
ولـــــــلـــــــشــــــــاديــــــــن
زوامـــــــــــل الــــغــــربــــه
هـــــــجّـــــــو الـــــلـــــيـــــل
وهــدّايـــن عــلـــى الأبـــعـــاد
تـقـاقـيـبـن تـــســـرج الــلــيــل
مسافـرة علـى ضـهـر نجـمـات
وطــــــــــاشــــــــــيـــــــــــن
يــــــــا عــــقــــاب الـــتـــيـــه
وحــــــــــــادى الــــــنــــــوق
بــــــراهــــــو الــــــشــــــوق
يـهـاتـى يـهـاتـى مـانــن مـــات
قـــــــــــــــــوافــــــــــــــــــل
ضــاربــه فـــــى الـمـجـهــول
تـــــــــــكـــــــــــربـــــــــــت
فـــــوق ضـــلـــوع الـــصـــى
!!..ولــيــلــهـــا ..يــــطـــــول
وتـــــــبـــــــدا جـــــــديـــــــد
جـــــــديـــــــد تـــــــانــــــــى
دا مـــــــــــــا مــــعــــقـــــول
!!.. ولا يمكـن يـكـون معـقـول
قــــــوافــــــل الــــــقـــــــدره
هـــــــاجـــــــه الــــلـــــيـــــل
خــــــيــــــالات بــــاهــــتــــه
فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوق
مـــــوج الأســـــى داجــــــات
ويــــبــــكـــــى الــــلـــــيـــــل
عـــــلـــــى ..دا الـــــحــــــال
ومــــــن قـــلـــب الـــزمــــان
قـــلـــب الـــزمـــان الــــــراح
يــــــــهــــــــبـــــــــهـــــــــب
!!..فـــــــى الـبـعــيــد..مــوال
صـــــــــــــداه يـــــــنـــــــوح
تـــشـــيـــلـــو ..جــــــبـــــــال
!!..وتـــــــدى..جـــــــبـــــــال
ويــــــــفــــــــضـــــــــل زول
غــــــريــــــب مــــبــــهــــور
كــــــــــــــأنــــــــــــــو زوال
تـــخـــنـــقــــو الــــعــــبـــــره
!..لا أمــــــات ولا خـــيــــات
تـــــصــــــورى حــــــالــــــو
!!..فـى جـوف القبـس رحــال
تـــــــــــــــصــــــــــــــــورى
حـــــــالـــــــو يـــتـــنــــســــم
!..ويكـرف مـن هـوى الحـلال
تـــــصــــــورى حــــــالــــــو
عــــــبــــــر الــــمــــاضـــــى
كـــــــيـــــــفـــــــن..كــــــــان
!!..وكيف بيكون أسى الجايات
دحـــيــــن يــــــــا عــــابــــره
لــــــــــــــو فـــــكـــــرتـــــى
كـــــــــــــــل الـــــــكــــــــان
وحـاتـك أصـلــو مـــا بـيـكـون
ومــــــــــــــا تـــــــاهــــــــت
مـــــراكــــــب الــــغــــربــــه
مــــــــــــــــا لــــــــجــــــــت
تـصـارع فــى ريــاح الـشــوق
وريــــــــــــح الــــــشـــــــوق
يـــــــــــــــــولـــــــــــــــــول
!!..فــــى الــدجــى مـجـنــون
ومـــــــــــــات الــــــكـــــــان
عــــــلـــــــى الـــلـــيــــديــــن
ونــحـــن نـهــاتــى لـلـبـيـكـون
وسكـيـن الأســـى يـــا عـابــره
بــــــــتـــــــــقـــــــــطـــــــــع
حـــشــــاى يـــــــا عــــابــــره
مــــــــــــــــا بــــــــقـــــــــدر
وكــــــيـــــــف اقــــــــــــــدر
عــــــلـــــــى نــــصـــــلـــــن
رهـــــيــــــف مــــســــنــــون
دا مــــــــــــــا شــــيـــــتـــــن
بــــيـــــقـــــدر لـــــيـــــهـــــو
زول…مــــــــتـــــــــلـــــــــى
غــــــريــــــب مــــبــــهــــور
إذا قــــوقـــــن قــمــيــريـــات
تـــخـــنـــقــــو الــــعــــبـــــره
لـــــــــو مـــــــــا مــــــــــات
!!..قـــريـــب..بــــيــــمــــوت
ومـــــــــــــــا بـــبــــكــــنــــه
وا ..أســـــــــــــفــــــــــــــاى
!!..لا أمــــــات ولا خـــيـــات
…
وإني وان جُبِلتُ علي حب الفصيح من الشعر، لكنني أجد لأشعار هذين الجميلين تميزا لاتخطئه عين، ولعل القاسم المشترك بينهما صنعَهُ حُبُّ ود بادي العميق ل(شيخه اسماعين)!…
فمن الحب ما يجعل الحبيب يتقمص روح محبه من بعد الفقد، وكأني به يسعى حثيثا إلى وصله بالدنيا تدثرا بثوب الإبداع الذي خصهما الله به!.
من القصائد التي ابتدر بها ود حد الزين مشواره الشعري قصيدة (وا اسفاي)، لعمري إنها قصيدة وأغنية من ماتعات الزمن الجميل!!!…
كلماتها معجونة بطين جروف الشمال، وقد خرجت كلماتها مغناة من فيه قامتنا أسماعيل حسن السامق بعلو أطول نخلاتنا في الشمال…
ويتلقف القصيدة قامة أخرى؛ كم لوّن صباحاتنا وأماسينا بلون البنفسج والورود، فبث فيها كل عنفوانه التلحيني، فخرجت غضة…
ريانة…
ممشوقة…
ألِقة…
ساااااحرة…
هذه الأغنية كانت من أحب القصائد إلى قامتنا أسماعيل حسن، إذ باح بذلك في الكثير من اللقاءات وللكثير من الأصدقاء.
لقد كانت من أولى القصائد التي ألفها بين يدي مقدمه لأول مرة إلى العاصمة، والعاصمة لابن الأقاليم عوالم وفضاءات تكتنفها الكثير من الأحاسيس والتطلعات والآمال، جاء ود حد الزين إليها وهو واثق من شاعريته، والرجل بطبعه رحمه الله مشهود له بقوة الشكيمة والأعتداد بما عنده، وشرع في تلمس مجالس الفن في حي السجانة الحي الريان بدفق الفن والشعر، والسجانة برغم (عاصميتها)؛ ألاّ انها تتصل بحبل ممدود إلى الشمال، فكانت ومافئت سكنا للكثير من أهلنا القادمين من هناك.
هذه الأغنية تعبّر بإجادة عن التشتت مابين القرية والمدينة!، لعمري إنها بوح شفيف، ووصف لا يترك شاردة ولاواردة لمشاعر كل قادم إلى العاصمة، قادم يحتقب عنفوان شبابه، وأمام ناظريه في خط الأفق زخم الآمال الوردية والتطلعات الى حياة الرغد وتمكين الأقدام في ديار تختلف عن القرية في حراكها ومضامين حياتها وسعة جنباتها، وكم أعيش ذات المشاعر والأحاسيس كلما طرقت هذه الأغنية مسامعي، فهي برغم وصفها لحياة العاصمة؛ الاّ انها لا تنفك عن وتد القرية هناك في البعيد!…
فالقرية دوما في البال، وشاعرنا يعود القهقري بخياله يوم حزم متاعه القليل لينام مبكرا حتى لا تفوته اللّواري والباصات، فإذا به يرى بعين المنام سفره فوق جناح الشوق، يكوس نجما بعييييييد ضواي…
هناك حيث (الخرتوم بالليل)، وألق أضواء الكهارب، وأرض الحور اللاّئي كان يرى سمتهن في أحاديث القادمين من أبناء أهله من أهل البندر عندما يأتون إلى البلد خلال اجازاتهم، وإذا بقوافل شوقه وآماله تشق التيه، وتجر النَّم مع الحردلو في الدوباي…
وهنا يمتعنا وردي أكثر بصوته الفخيم وهو يشبع مد (الدوبااااااااي) لينهي المقطع من عَلٍ، ثم ينحدر الى قاع النبع ليعود صاعدا السلم من جديد ب(واااااا أسفاااااي)!!!…
وشاعرنا حاسر الرأس عند كل جمال يستشف من كل جمال جمالا،
إنه لأجل تلك العيون الحلوة هناك في تلك الديار مستعد لبيع كل مايليه من دنياه ليتسنى له التسفار إليها حيث تكون، ولابأس ان ترك دنياه التي نشأ فيها، برغم يقينه بكونها النبع الحقيقي للطيبة وسماحة النفس، فعنفوان الشباب والتطلع إلى عوالم المدينة يستلب منه نفسه وعقله وخياله، ولكن ما أن يصل إلى العاصمة ويستقر فيها وتمر السنوات يعاوده الحنين إلى القرية، يظل يتقلب على فراشه في السجانة متوسدا وسادة شوقه ميمما بخياله إلى القرية، حيث (يقالد) فيها عهد صباه الجميل في ظل جبل (كلم كاكول).
ولعمري إن ابن القرية والريف يظل دوما مرتهنا له مهما رفل في نعيم المدينة، والنشأة في القرية تظل في الوجدان بمثابة الربيع من الزمان، فهي دوما مبعث للراحة في دواخله وهو منشغل بمسؤلياته يكابد رهق العمل في دهاليز الخدمة المدنية في العاصمة، وما أن تطاله هدأة إلا ويسافر بخياله إلى القرية مخاطبا أيام صباه قائلا لها:
عشان ماتبكي ببكي أنا
واحاكي الطرفة في نص الخريف بكاي!…
والطرفة هي فصل من فصول الخريف (عينة)،
وعددها عشر عينات منها الضراع والنترة والطرفة، وتبدأ الطرفة من الرابع من أغسطس وحتى السابع عشر منه، وتُسمى «الطرفة البكاية»؛ لأن الأمطار تهطل فيها غالبًا بالنهار، وتستمر في الهطول بحبيبات صغيرة لفترات طويلة، فتحبس الناس في البيوت ولا يستطيعون العمل في البلدات إلا قليلًا، وإن صحَّت يزيد بور البلدات (أي عدم فلاحها ونجاحها)، جوُّها مُغيم وبارد ولا برق ولا رعد إلا قليلًا، وهي تَروي الأرض جيدًا.
قال الشاعر ود شوراني:
ظميانين وابل الطرفة فوقنا يهطل،
من الخلا كل عمل سار متعطل،
ست حد الصبا اللغناه ما بنبطل،
رايو معاها تشفى المنا والله تقتل.، وود حد الزين -باعتباره ابنا لمنحني النيل- قد يكون ايضا يعني أيضا نبات (الطرفي) الذي تظل قطرات المطر فيه باقية على سطح الجذع منه والأوراق من بعد انقطاع المطر، وكأنها الدموع…
فإن كان يعني العينة او نبات الطرفي؛ فالقاسم بينهما المشابهة بالبكاء…
إنه يقول: لان كان هناك لزوم لبكاء؛ فاليبك هو على أن يبقى ماضيه شفيفا جميلا كما كان!…
وما ذاك إلا لكونه من الحرص بمكان لأن تظل ذكرى أيام صباه نبعا للراحة والجمال، يعود اليها كلما ادلهمّت به خطوب العاصمة وارهقته هموم الحياة فيها…
فالحياة في العاصمة حياة (مدافرة) ومكابدة، وهو الذي يحمل فوق كاهله حمولا تهد جمال الشيل من مسئوليات للأسرة والأهل وهو أهل لها…
وقد آلى شاعرنا على نفسه أن يظل يشق ليل كل العتامير متوكلا على الله يستصحب مشعلا للنور وصولجانا للتفاؤل، فيركل أمامه دُثُرُ ظلام التشاؤم والدعة والخنوع، وهناااااك عند أقتران أفق الأرض بخط السماء؛ تلوح بسمتها الجميلة، إنها ابتسامة حبيبته التي يتمنى لو تشرق عليه شمس يوم نبيل يجمعه بها، إنها بسمة عند ارتسامها في أفق خياله لاتلبث (مشاتل الريد) إلا وتتفتح دونها، فيحس بالجوة جوة الجوة زغرد فيهو صوت الناي!…
مااااااأحلاه من يوم حينها، يوم يرمح قلبه (ويتاتي) زي قدلة جنا الوزين يتاتي!…
آه منك يازمن، كم كان قويا ومحتدا بعنفواه يوم إعتاد أن يأتيه الآخرون يشكون له أفاعيل الحب والشوق بهم، فيواسيهم ثم يرفدهم بالحلول وتطييب الخواطر، ولكنه الآن مبعثر بين قرية ومدينة، والحبيب منه قاب قوسين ولا يستطيع إلى الزواج سبيلا، وما أقساها من حياة!
واااااأسفاي…
ارادة المولي رادتني وبقيت غناي
وحاتكم انتو وا أسفاي
ارادة المولي رادتني
وبقيت غناي
اسوي شنو مع المقدور
براهو الواهب العطاي
***
منو البيدور يساهر الليل يسافر
فوق جناح الشوق يكوس نجما بعيد ضواي
اذا وصفولو ارض الحور
تلاقي قوافلو طول اليل تشق التيه
تجر النم مع الحردلو في الدوباي
واسفاي ببيع الدنيا كل الدنيا وااسفاي
عشان خاطر عيون حلوين وااسفاي
منابع الطيبه متجاورين وااسفاي
ومتسامحين وفي السمحين
واسافر فوق صبي العين معاكي
سلامه يادنياي
***
بتمدد وبتوسد وسادة شوق
وانوم مرتاح وخالي البال
واقالد تاني عهد صباي
عشان ماتبكي ببكي انا
واحاكي الطرفه في نص الخريف بكاي
حمولي تهد جمال الشيل
وفايت في العتامير ليل
ومتوكل عليك ياألله دافر الليل
بريق البسمه ان لاح لي
بتتفنح مشاتل الريد
واحس في الجوه جوه الجوه
زغرد فيها صوت الناي
***
اسفاي اذا ماشفته ناس سمحين يتاتو
زي قدلة جني الوزين يتاتو
تلاقي قليبي يرمح جاي
لما يتاتو زي قدلة جني الوزين يتاتو
حليل الكان بيهدي الغير
صبح محتار يكوس هداي
من ناس ديله
واأسفاي
من زي ديله
واأسفاي
ارادة المولي رادتني وبقيت غناي
لاسماعيل حسن راي غير مسبوق عندما قال بان شعر الحقيبة لم يفد الشعر والغناء في السودان بشئ!!!
هذا الراي ماكان للناس في السودان -علي عمومهم- والنقاد واصحاب الاختصاص علي الخصوص ان يمروا عليه مرور الكرام!…
فقد حدثت مساجلات بين اسماعيل حسن وبين العديد من الشعراء والمهتمين بامر الشعر والغناء في السودان حول هذا الامر وظل اسماعيل حسن منافخا عن رايه هذا والذي يقول فيه بان اغاني الحقيبة قد احتوت (القيل جدا) من الاشعار التي يمكن الاحتفاء بها لكنها قد اكتنفتها (الكثير جدا) من الاشعار الفجة والتي كانت سببا اساسا ل(تخريب) ذائقة الناس الشعرية والفنية وتكبيل الغناء السوداني من الانطلاق الي العالمية بل وتسيد الساحات من حولنا!…
وعندما كان يسال عن السبب في اعجاب الناس باغاني الحقيبة كان يقول:
لانها لم تجد المنافس الحقيقي من اشعار اخري افضل فما كان من المؤدين الا ان صاغوا المتاح في اعمال انسربت الي وجدان الناس (نتاج تكرارها) بعد ان تسيدت الساحة لوحدها حيث ناي شعراء اخرون مجيدون بشعرهم من ان يغني وضرب مثلا بالشريف الرضي واخرين لاحقين من امثال الطيب العباسي الذي كان معجبا جدا بشعره ايما اعجاب!.
وهناك تسجيل مرئي لحلقة بثتها قناة الشروق يتحدث فيها كل من الأستاذ عبدالمطلب الفحل والشاعر محمد جيب الله كدي، حيث تناول الاخير-خطفا- مادار بين اسماعيل حسن وود الرضي عن شعر الحقيبة (يستحق المشاهدة)، ويحسن أن أتبع ذلك بهذا (المنقول) لبعض ما دار بين اسماعيل حسن وود الرضي رحمهما الله:
بين اسماعيل حسن وود الرضى
عندما هاجم اسماعيل حسن شعر الحقيبة واتهمة بعدم المواكبة وهاجم الشاعر ود الرضى وطلب أن يركن شعره الى الرف لأنة اصبح غير مواكبا رد علية ود الرضى قائلا
صحيح كبرت لكن خيالى شاب
وجوادى فوق للنجمة شاب
محبوبى لامن شنبى شاب
ما نبشتو بى نشاب مشاب
ويقصد قصيدة أسماعيل حسن (خدعوك وجرحو سمعتك) وفى السينات كان ود الرضى يرد اسبوعيا على اسماعيل حسن بقصيده كقولة
شاعر ضيعوك شلنا النقط من شينك
عضيت اصدقاك الكان مغطين شينك
آلوك أظهروك قبال يتم تدشينك
أيه وداك لى شعر الحقيبة تشينك
الى قولة
الحقيبة ما بتمدح دعارة ولا المحبة المستعارة
الاغانى المفضوح شعاره الحقيبة كاشفا عارة
وحتى يبين ود الرضى ان شعر الحقيبة ليس قديما كتب قصيدة فتاة اليوم وفيها يقول
شوف فتاة اليوم حلاتا
ربى زيد ريدا وغلاتا
مهماتا يا اسماعين تلاتا
مكتبا وبيتا وصلاتا
وانا وجدتها بخط يدة والحديث للاستاذ الطيب الرضى مكتوبة (مهماتا يا اسماعين تلاتا) ولكن عندما تغنى بها بادى وخلف الله حمد عدلت الى( مهماتا يا خلاى تلاتا )
وتحدثنا الى الاستاذ الرضى عن ان بعض الشعراء اعابو على ود الرضى تصوير المحبوبة فى قصيدتة المشهورة
انا فى التمنى ديمة هديلى ساجع
ما لقيت لى مغبث وما لقيت لى مراجع
الى ان يقول
داير اشوفوا غافل داير اشوفوا جادع
يتغطى بسواعدو وبى طرف المضاجع
هذة القصيدة لم تكن سوى امنية من الامانى التى يرى ود الرضى انها مستحيلة التحقق لما لفتاتة من عفاف وهو تصوير حسى برع ود الرضى فى اظهار ملكاته التصويرية فية بنظرة جمالية كما امتدح النابغة الظبيانى ووصف المتجرده فة فصيدته المشهورة
سقط النصيف ولم ترد إسقاطة فتناولته واتقتنا باليد
فهل كانت المتجردة غانية وهى زوجة الخليفة لايعاب على ود الرضى التصوير الجمالى وهو الذى تغنى للفضائل والثوب السودانى الساتر انظر قولة
البسى توبك الشئ اليسير يلفتنا
يالكلك محاسن وكل قامتك فتنه
انت عروض رجال ونحن الرجال بصفتنا
نحب التوب وست التوب مقدرة كلما وافتنا
اوعك تمشى كاشفة معريات كتفاتك
وتراقيك ومرافقك يكون رشادك فاتك
شرى التوب عليك ونومى فى غرفاتك
ان شاء الله العافية دايما مهدك ولحفاتك
الى أن يقول
الجسم المثل ناعم الحرير الهندى
بى دم الصبا وروح الملاحة بيندى
وجوز رمانك الكاتلابو كل أفندى
الرسول غتيهو يابت القادة فرسان شندى
أغنيات للوطن
وماذا عن الشعر الوطنى عند ود الرضى ..فيبادر الاستاذ الطيب قائلا
كتب ود الرضى رائعة خلف الله حمد
يوم الملاحم لينا عيد
ميتنا فى الميدان شهيد
بشرانا بالعهد الجديد
نيلنا ازرق ونحنا سود
وصغيرنا يحتقر الاسود
وغنى ود الرضى لأكتوبر ونظم للازهرى وكتب قصيدة للسيد عبد الرحمن رغم انة لم يكن من حزب الامة وكتب فى ارض السودان
سوداء الاديم زرقاء الخضم خضراء البطاح
لكم انجبت بدرا شارقا وضاح
ها اقمار مساك وها نهارك ضاح
وفردوسك تنفس وها بلبلك صداح
وكتب قصائد مناهضة للاستعمار وسجن بسببها وعذب خاصة عندما نظم قصيدة وداع للجيش المصرى والذى كان مساندا لثورة اللواء الابيض وفيها يقول
يا حليل الجيش الرحل
كان قريب اصبح فى زحل
وغناها سرور فى حفلاتة وسجن بسببها ايضا ولكن للاسف لم نجد النص كاملا
مركز ود الرضى الثقافى
سألنا عن تكريم الشاعر الكبير وما قدم لاجل ما قدمة من عطاء فأجابنا الاستاذ الطيب بان هناك مركزا ثقافيا فى ام ضوابان يحمل اسم مركز ود الرضى الثقافى بنى بالمجهود الذاتى والمتبرعين بالمواد العينية وقام صرحا عظيما وافتتح رسميا فى عام 2004 بحضور الوزير هاشم هارون والذى تبرع بتشيد سور المركز كاملا وشارك المركز فى كل فعاليات الخرطوم عاصمة الثقافة العربية فى عام 2005
الاخوانيات عند ود الرضى
كتب ود الرضى للمحبوبة وفى المدح وللوطن وفى الاخوانيات والاصدقاء وكان يعتز باصدقاء كثر منهم محمد ود خالد وود الحنان ومحمد بركات والد الفان احمد المصطفى وخليفة الامين والد الفنان سيد خليفة وحمد ود بدر والد الفنان خلف الله حمد واشهر قصيدة له فى الاخوانيات قصيده العمده طة الذى سمع عنه فقط وعن خصاله كتب مادحا
تعال بالفنجرى بى سيرتو النتحاجا
الولد الفى ليالى الحوبه بقضى الحاجة
ضباح اللباح عندو الدعول مو حاجة
طوّال ايدو للناس الزمانا احاجا
فوصلت القصيده الى العمده طة الذى اهاه جواد اصيلا استكثرة الناس على ود الرضى وطلبوا ابدال الفرس بالمال وجمعوا مالا وفيرا حتى لا يهدى الفرس وقال العمده طة قولتة المشهورة
-على الطلاق الحصان يمشى والقروش تمشى علوق للحصان
ولجمال وكمال الفرس اراد عمدة السريحة ان يشترية من ود الرضى فحل ضيفا علية وطلب شراؤة فوافق ود الرضى وسال عن السعر الذى يريده فية فاجابة ود الرضى
سعرو ان تكلفة جيدا ولاتتركة مع الهوام وكتب للعمده طه يعتذر على بيعة الحصان قائلا
انا ما مدحتك لأجل عطية
ولاكنت ضجران من صديقى عطية
ربك ذو كرم ومكارمو ميها بطية
لكن رأيت عدم الحميده خطيه
الى ان يقول
رفع الله قدرك قدرى غاية رفعتو
نفاع العباد كم كم خلافى نفعتو
طغيت لما امتطيتووالقرن رفعتو
فتدبرت كلا إن خشية دفعتو
وكلا إن يقصد بها قولة تعالى كلا إن الانسان ليطغى
ود الرضى وست البيت
يروى الاستاذ الطيب الرضى عن حياة والده انة تزوج مرتين الزوجة الاولى كانت من قرية تدعلى الحويلة جنوب ام ضوابان ولم يثمر هذا الزواج وتزوج عام 1930 من السيدة بتول وهى والدتى ولها من الابناء اخى الرضى وشخصى ومن البنات الرحمة والدلسة وعاش معها الى توفت فى الخمسينات ولم يتزوج بعدها وقد كتب فيها العديد من القصائد اشهرها ست البيت والتى مطلعها
ست البيت بريدا براها
ترتاح روحى كل ما أطراها
الى ان يقول
لو كان يوم حبيب واصلى بالكرم العريض توصلى
معاها خلاف قط ما حصلى بس ازعاجها لى قوم صلى
وغنى لها
المرنوعة زى شمس الغمام فى طلوعها
وارخ للتبكير بالبنات وتمنى ان يبكر بالنية حتى قبل ان يتزوج وكتب يقول
يا مولاى زوجة يكون شلوخها تلاته
الاتنين نبكر بالبنية حلاتها
الى أن يقول
تعفف من الارض ان بقت دلوها
ماحت جاى وجاى من الدفاق تكلوها
بى الرضاع والمسك وعقد الجلاد جلوها
هى لى اللليلة منية اتشهدوا بتاكلوها
وكان ود الرضى يكتب الشعر ليلا وحول سريرة ويدونه فى الصباح عند استيقاظه
[size=”5″]لحظاته الاخيرةود الرضى تعرض لحادث سقوط فى المسجد فى عام 1973 واصيب بكسر فى الترقوة عالجه الشاعر والاعلامى عمر الحاج موسى وكان وقتها وزيرا للثقافة حيث مكث فى المستشفى ثلاثة اشهر وقبع بعدها فى غرفته فى المنزل حيث كان منزله قبلة للشعراء والاهل والاصدقاء ويروى الاستاذ الطيب الرضى اخر زيارة حيث رفض الشيخ ود الرضى ان يتناول طعاما او شرابا فى صبيحة يوم الجمعة فجائه العبادى وعبيد عبد الرحمن وعبد الله الماحى وعتيق ومبارك المغربى فلما حضر هؤلاء الشعراء والحديث للاستاذ الطيب ايقظته وقلت له “يابا ناس العبادى ديل جوك ” هنا تذكر الاستاذ الطيب الرضى وتمتلئ عيناه بالدموع وهو يحكى قائلا”هب والدى من رقدته وهو يصيح اهلى جواهلى جو” وفوجئنا به ياكل ويشرب معهم وهو يضحك ويتبادلون الشعر ولم تمضى ايام على تلك الزيارة حتى توفى عام 1982 رحمهما الله.
أقول:
حُقَّ لاسماعيل حسن ان يقدح في (الفج) من اشعار ما اصطلح علي تسميتها با(الحقيبة)، فالرجل كان مجيدا في (ضربي) الشعر العاطفي والوطني معا، وبالطبع فإن هذين الضربين من عماد اشعار واغاني الحيبة، مع (غلبة) للأول علي الاخر…
ولعلي اضيف أيضا بأن غمط اسماعيل حسن للكثير مما أتى به شعراء الحقيبة؛ كان مرده (زاوية النظر) التي يرى من خلالها اسماعيل حسن تلك الاشعار والاغاني، فالرجل ينتمي الي بيئة يستعصم الشعر فيها ب(ثوابت) درج عليها الناس في شمالنا الحبيب، ومنها النأي عن مايرونه (ابتذال في وصف مفاتن النساء)، وذاك لعمري هو ما (شان) الكثير من اشعار الحقيبة.
(يتبع ان شاء الله)