سوداني نت:
-١-
أضحكني مدير مؤسسة اقتصادية، وهو يحكي لي عن بعض الذين فصلهم عن العمل لأسباب متعلقة بكفاءتهم أو نزاهتهم، قبل سقوط نظام الإنقاذ.
قال لي: في ذلك الوقت ذهب المفصولون لقيادة الحزب بدمع كذب، وادعوا أن فصلهم تم لأنهم (إسلاميون)!
وحينما سقط نظام الإسلاميين، ذهب ذات الأشخاص إلى قيادة الحرية والتغيير وادعوا هذه المرة أن فصلهم تم بسبب دعمهم للثورة ومناهضتهم للكيزان!
-٢-
مشهد آخر لا يقل سخرية عن ما حدث في تلك المؤسسة الاقتصادية، حيث بقناة النيل الأزرق طالب بعض العاملين بزيادة مرتباتهم إلى الضعف.
قررت إدارة القناة بعد حسابات وتضريبات وقياس لجودة عمل المطالبين زيادتهم خمسين في المائة.
أعلن المطالبون بالزيادة المئوية عن وقفة احتجاجية داخل القناة وتسليم مذكرة للمدير العام محتواها :اكمال الزيادة إلى حدها المئوي.
استلم جنرال النيل الأزرق الأستاذ حسن فضل المولى المذكرة للنظر في الطلب، وأثنى المطالبون بالزيادة على مديرهم وحسن تعامله.
وعندما جاءت استجابة إدارة القناة أقل من طموح المطالبين بالزيادة، كان خيارهم استخدام السلاح الفتاك!
في هذه الأجواء يكفي أن تطلق ادعاءً انتهازيا بأن المدير (كوز) ينفذ أجندة الدولة العميقة أو أنه جاء ضمن سياسة التمكين حتى يعصف به خارج المؤسسة!
-٣-
في مؤسسة رسمية أخرى، فوجئ المدير العام بأن من تقود الحملة الشرسة ضده داخل المؤسسة باعتباره (دولة عميقة) إسلامية صارخة الانتماء، من حيث الشكل والمضمون والانتماء الأسري.
والدها قيادي إسلامي معروف وزوجها والٍ سابق وشقيقها شهيد، وهي ظلت من أخوات نسيبة إلى ميقات الثورة والتغيير لتتحول إلى كنداكة !
كل ما في الأمر أن المدير العام قام بنقلها قبل فترة إلى موقع آخر داخل المؤسسة قليل الامتيازات والحوافز، قريب من باب الخروج!
-٤-
أخبرني مسؤول بنيابة جرائم المعلوماتية أن غالب البلاغات في الفترة الأخيرة مصدرها قروبات العمل، حينما ترتفع أصوات الاتهامات المتبادلة بالكوزنة!
وحينما يتم فحص الاتهامات ودوافعها يتضح أن طبيعتها تنافسية أو شخصية تستغل أجواء الثورة لتحقيق أغراضها أو لتصفية حساباتها!
أكاد أجزم أن بعض من غادروا مواقعهم المدنية أو العسكرية، كانوا ضحايا لسياسة كوزنة الخصوم والمتنافسين!
-٥-
تعجَّب كثيرونَ في بعض المؤسسات من التحول الذي طرأ على بعض الأفراد الذين كانوا من أهل النظام السابق وخاصته، أو المستفيدين منه أو من بعض أطرافه عبر أنفاق سرية!
للمفارقة، بعضُ هؤلاء صعدوا لمواقعهم عبر رافعة التمكين وبعض منهم راكَموا ثرواتٍ ونالوا امتيازاتٍ بدعم النظام وتسهيلاته .
مستغلين في ذلك ضعفَ الذاكرة الشعبية وتسامحَ المحيط العام مع أمثالهم من أصحابِ العيون الوقحة البيضاء!
-٦-
أذكر في بداية عهد الإنقاذ استخدمت ذات الأسلحة ولكن تحت شعارات ولافتات أخرى.
كان يكفي الهمس أو التقارير السرية عن شيوعية أو علمانية مسؤول أو موظف حتى تتم الإطاحة به!
بل الأمر كان يتجاوز التصنيف السياسي لرصد وتتبع السلوك الشخصي وربطه بالتوجهات الفكرية.
-أخيرا-
مجموع هذه المعارك الصغيرة المزمنة، والتصفيات الكيدية المُتبادَلة لها مردود سالب على أجهزة الدولة.
نعم، أضعفت الدولة وأورثتنا الفشل، وأفقدتنا كثيراً من الكفاءات تحت سنابك المعارك السياسية والشخصية، لنصبح دولة عقيمة، مهما تغيرت الأنظمة لا يتغير الحال إلا لما هو أسوأ.